الأسبوع التاسع والاربعون > المواد غير المعدنية… الجندي المجهول في حماية الاستثمارات الرأسمالية  في السعودية





 

المواد غير المعدنية
الجندي المجهول في حماية الاستثمارات الرأسمالية في السعودية

 

هل تعلم أن تآكل المعادن قد يسبب خسائر كبير للناتج المحلي الإجمالي في السعودية؟ يُعد التصدي لمشكلة تآكل المعادن من خلال الإدارة الاستباقية لوزارة الطاقة ولشركات سعودية كبرى مثل أرامكو لمواجهة هذه الظاهرة أمرا لافتا واستراتيجيا للحفاظ على استثمارات البنية التحتية في المملكة.

يمكن أن يؤدي استخدام المملكة العربية السعودية للمواد غير المعدنية المشتقة من المعادن، مثل المواد البلاستيكية المتطورة، والألياف الزجاجية، والمُركبات الخزفية، إلى تقليل معدلات التآكل في خطوط الأنابيب، والبنية التحتية، والمعدات في الصناعات المختلفة، وخاصة قطاعات النفط والغاز والبناء.

حيث تعتمد هذه القطاعات بشكل كبير على البنية التحتية والمعدات التي  تتعرض بدورها لظروف كيميائية وبيئية قاسية، وهي الظروف التي تجعلها عرضة للتآكل وتحلل المواد.
ومن ثم فإن الوقاية من التآكل تمثل أمرا حيويا لحماية الاستثمارات الرأسمالية، وتقليل تكاليف الصيانة، وتعزيز الاستمرارية التشغيلية، كما سنوضح في هذا التحليل.

حيث تُقدّر التكلفة العالمية الناجمة عن التآكل فقط بنحو 2.5 تريليون دولار، أي ما يعادل 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو ما يؤثر على ميزانيات الشركات والدول في جميع أنحاء العالم.
لذلك، فإن ضمان وجود مواد مقاومة للتآكل ويمكنها الصمود لفترات طويلة يمثل خطوة استراتيجية بالنسبة للمملكة، لتجنب تكاليف الصيانة المرتفعة، والاضطرابات التشغيلية.

وتشهد السعودية تحولًا صناعيًا كبيرًا كجزء من رؤية 2030 لبناء اقتصاد متنوع ومستدام وقادر على المنافسة عالميًا.
وفي إطار الاستراتيجية الوطنية للصناعة، تعمل المملكة على توسيع قاعدة التصنيع، والاستثمار في التقنيات المتقدمة، وتعزيز مرونة سلاسل الإمداد، وهو ما أبرزه التقرير الأخير لـ رؤية 2030.
وتشمل أبرز الإنجازات الصناعية في السنوات الأخيرة: إطلاق برنامج صنع في السعودية، إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة، وتأسيس أكثر من 12,000 مصنع في جميع أنحاء المملكة.

المواد غير المعدنية هي مواد غير عضوية تتواجد بشكل طبيعي تحت الأرض ولا تمتلك خصائص معدنية مثل القدرة على توصيل الكهرباء. وعلى عكس المعادن الفلزية، فإن قيمتها الأساسية تكمن في خصائصها الفيزيائية والكيميائية.

● الألياف الزجاجية: تُستخدم على نطاق واسع في العزل، وفي البناء بفضل خصائصها المقاومة للتآكل.
● الجبس: مكون أساسي في مواد البناء.
● الحجر الجيري: مكون أساسي في إنتاج الأسمنت، تحسين التربة، وكمواد بناء.
● الطين: يُستخدم في صناعة السيراميك، الطوب، والفخار.
● الرمل والحصى: مكونات أساسية في الخرسانة ومواد البناء.
● معادن الفوسفات: ضرورية لإنتاج الأسمدة.

وفي الوقت نفسه، يعد تطبيق ممارسات مستدامة في اختيار المواد واستخدامها أمرا ضروريا للحد من التأثيرات البيئية، ومواكبة أهداف الاستدامة الأوسع لرؤية المملكة 2030.

 

المملكة الأولى إقليمياً والـ 20 عالمياً

في مؤشر جودة البنية التحتية للتنمية المستدامة (QI4SD) بعام 2024 الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)، حيث صعدت في هذا المؤشر 25 مركزا عالمياً. وقد سلط تقرير رؤية 2030 الأخير الضوء على هذا الإنجاز.

ويعكس ذلك تركيز المملكة على إقامة بنية تحتية تدعم الاستدامة، والكفاءة، والنمو على المدى الطويل. وتعد الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية "مدن"، من العوامل الرئيسية التي ساهمت في تعزيز هذا التوجه، حيث  تقود عملية تطوير وتوسيع المناطق الصناعية في جميع أنحاء المملكة.
وعلى الصعيد العالمي، نما حجم سوق أنشطة دعم صناعة المواد غير المعدنية بشكل سريع في السنوات الأخيرة، وتشمل هذه الأنشطة مختلف العمليات والخدمات التي تسهل استخراج المواد اللافلزية ومعالجتها.

 
ومن المتوقع أن ينمو هذا السوق من 39.64 مليار دولار أمريكي في عام 2024 إلى 43.66 مليار دولار أمريكي في عام 2025، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 10.1%.


 
🔍
إطالة عمر الأصول وخفض التكاليف

تشير الدراسات إلى أن تآكل المواد يمكن أن يقلل من عمر خدمة خطوط الأنابيب بنسبة 20-30%، مقارنةً بالعمر الافتراضي المحدد لها، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الصيانة والاستبدال المبكر للأصول. 
فعلى سبيل المثال، قد يعمل خط أنابيب فولاذي عمره الافتراضي المخطط له 40 عاماً، لمدة تتراوح بين 28 و30 عاماً فقط من دون حماية كافية من التآكل. وهذا يعني انخفاضا بنسبة 30% من عمر الخدمة المتوقع.

فمن خلال استخدام الطلاءات غير المعدنية، على سبيل المثال، يمكن أن تنخفض معدلات التآكل بشكل كبير خلال فترة الثلاثين عاما الأصلية المحددة سلفا.
ووفقا للتقارير المتعلقة بهذه الصناعة، يمكن أن تقلل هذه المواد غير المعدنية من تكاليف الصيانة المرتبطة بالوقاية من التآكل بنسبة 40-50%، وتطيل عمر خدمة خطوط الأنابيب بنسبة 10-15 سنة.

وتشمل الفوائد الناتجة عن ذلك أيضا خفض النفقات الرأسمالية المؤجلة، وتقليل أوقات التعطل التشغيلي (عندما لا يعمل أحد الأصول، أو يكون غير متاح للاستخدام بسبب الصيانة أو الإصلاحات).


 
⁉️
من 70 يوما إلى يومين فقط

شكل استخدام أنابيب البلاستيك الحراري المقوى (RTP) في مشروع خريص العملاق في المملكة العربية السعودية تقدما ملحوظا في تقنيات تركيب خطوط الأنابيب.
فعلى عكس أنابيب الفولاذ الكربوني التقليدية، تُلغي أنابيب البلاستيك الحراري المقوى الحاجة إلى اللحام، وتتيح استخدام مقاطع الأنابيب بأشكال دائرية، مما يسهل من عملية تمديدها بشكل كبير. وقد قلل هذا الابتكار من الوقت المستغرق في ربط خطوط التدفق والبناء، من 70 يوما كالمعتاد إلى أقل من يومين، مما يُظهر زيادة كبيرة في الكفاءة. ويُمثل ذلك كفاءة زمنية نسبتها 97%.

ولتوضيح الأثر الاقتصادي لكفاءة الوقت، لنفترض أن متوسط التكلفة اليومية أثناء بناء خط أنابيب كبير الحجم، هو 100,000 دولار أمريكي يوميا، ويشمل ذلك تكلفة العمالة، واستئجار المعدات، والنفقات العامة (مثل التأمين، والنفقات الإدارية، والصيانة).

● التكلفة التقليدية: 70 يوما × 100,000 دولار/يوم = 7,000,000 دولار
● تكلفة أنابيب البلاستيك الحراري المقوى: 2 يوم × 100,000 دولار/يوم= 200,000 دولار
● إجمالي التوفير : 7,000,000- 200,000  = 6,800,000  دولار.




وباستخدام أنابيب البلاستيك الحراري المقوى، من المحتمل أن يوفر هذا المشروع الضخم حوالي 6.8 مليون دولار أمريكي فقط من العمالة والمعدات والتكاليف العامة المرتبطة بمرحلة توصيل وإنشاء خط الأنابيب وحدها. وبالطبع هذا رقم افتراضي لتبسيط الشرح.
كما يمكن أن تؤدي الوفورات الإضافية غير المباشرة الناتجة عن الإنجاز المبكر للمشروع، وبدء الإنتاج بشكل أسرع، وتقليل المخاطر، إلى زيادة الفائدة الاقتصادية.

🔦
قاعدة الـ 1%

بحثت دراسة أكاديمية صينية نُشرت عام 2024، بعنوان "تقييم العلاقة بين إنتاج المواد الغير  معدنية والتنمية المستدامة في الاقتصادات الآسيوية"، في التفاعل بين إنتاج تلك المواد اللافلزية ونتائج الاستدامة في 23 دولة آسيوية.
وخلصت الدراسة إلى أن زيادة إنتاج المواد اللافلزية بنسبة 1% تؤدي إلى زيادة في الاستدامة على المدى الطويل بنسبة 0.14%، وتُعزى إلى النمو الاقتصادي، حيث أن المعادن اللافلزية مثل الرمل، ورمل السيليكا، والحجر الجيري، والجبس، هي مدخلات أساسية للبناء والتصنيع والزراعة.

كما يسهم استخراج المواد اللافلزية، ومعالجتها، والأنشطة ذات الصلة، في خلق فرص عمل بشكل مباشر في التعدين والمعالجة، وبشكل غير مباشر في الصناعات الداعمة.
وتستفيد بلدان مثل الصين وكوريا الجنوبية، بما لديها من قطاعات لافلزية ضخمة، من هذه الديناميكية، بسبب قدرتها على الابتكار التكنولوجي، وتوفير الموارد المالية لاعتماد أساليب إنتاج مستدامة.


 

وتوصلت الدراسة أيضا إلى أن مستوى دخل البلد يشكل بطريقة حاسمة كيفية تأثير إنتاج المواد غير المعدنية على الاستدامة على المدى القصير، لأن الآثار البيئية والاجتماعية الفورية الناجمة عن أنشطة مثل إنتاج المواد غير المعدنية يمكن أن تؤثر بصورة سريعة على النظم البيئية القائمة.
ووفقًا للدراسة، يؤدي إنتاج المواد غير المعدنية في البلدان ذات الدخل المنخفض، وذات الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط أيضا، إلى إحداث آثار سلبية قصيرة الأجل على الاستدامة، وذلك بسبب تحديات مثل سوء إدارة النفايات، والتدهور البيئي، وعدم استعادة الموارد الطبيعية بالشكل الكافي.

وفي المقابل، تشهد البلدان ذات الدخل المرتفع آثارا قصيرة المدى أكثر إيجابية أو أقل ضررا. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن الدخل المرتفع يسهّل تحسين الحوكمة البيئية، والاستفادة من التقنيات المتقدمة، وتطبيق الممارسات الأكثر كفاءة في إدارة الموارد.

فعلى سبيل المثال، يمكن لبلدان مثل كوريا الجنوبية واليابان، مع ما يتمتعان به من نصيب أعلى من الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، وأطر تنظيمية أكثر تطوراً، أن تطبق تقنيات أنظف لاستخراج المعادن، وأن تستثمر في جهود إحياء البيئة، وأن تفرض معايير بيئية صارمة تخفف من الإجهاد البيئي الناجم عن إنتاج المواد غير المعدنية.

وعلى غرار الصين وكوريا الجنوبية، توفر القوة الاقتصادية للمملكة العربية السعودية، باعتبارها دولة ذات دخل مرتفع، أساسًا حيويًا للتخفيف من الآثار السلبية قصيرة المدى في عملية إنتاج المواد غير المعدنية.
ولكن عموما في هذا القطاع الحيوي، لا تقع المسؤولية فقط على عاتق الحكومة في المملكة لتنفيذ سياسة فعالة في إنتاج تلك المواد الطبيعية الهامة، بل إنها مسؤولية الشركات أيضًا. فقد تحتاج بعض الشركات العامة والخاصة إلى تعزيز الشفافية، والحرص على إداراة الموارد بشكل فعال، فضلا عن الاستثمار بشكل أكبر في البحث والتطوير لتعظيم فوائد تلك المواد.


أقرأ أيضــــاً
من البحر الأحمر إلى مونتينيغرو... عندما تتنافس الفخامة الفائقة على السعر

 لدى منتجعات منطقة البحر الأحمر في السعودية فرصة عظيمة وإمكانات هائلة لتعزيز النمو الاقتصادي من خلال الانتهاج الاستراتيجي لسياسات التسعير التنافسي واجتذاب الأسر السعودية.
استكشف التحليل
هل "تتسارع" سير ولوسيد إلى إنتاج سيارات رياضية كهربائية في السعودية؟

في إطار سعي المملكة العربية السعودية لتنويع مدخلات محفظة استثماراتها في قطاع السيارات الكهربائية، وجدنا أنه من الضروري أن نقدم تحليلا متعمقا عن تقييم مستوى أداء الشركات الرائدة في مجال تصنيع السيارات الكهربائية الرياضية.
استكشف المزيد
قطاع صناعة الأدوية السعودي: نمو مدفوع بالتوطين.. (مقارنة لأبرز شركات القطاع)

شهد قطاع الأدوية في المملكة العربية السعودية تحولًا جذريًا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا بأهداف رؤية 2030 التي وضعت نصب أعينها توطين 40% من الصناعة الدوائية بحلول نهاية العقد، وتقليص الاعتماد على الواردات التي كانت تشكل ما يقارب 70% من الاحتياجات الدوائية للمملكة عام 2018.
 
استكشف التقرير
Facebook
Twitter
LinkedIn
Instagram
YouTube
حمل تطبيقاتنا
تحميل تطبيق أرقام
تحميل تطبيق أرقام أندرويد
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة