|
|
أعلنت الصين في نوفمبر الماضي اعتزامها إصدار سندات حكومية بقيمة 2 مليار دولار في السعودية. توقيت هذا الإعلان يثير تساؤلات حول جدوى الاستثمار بها، لا سيما وأنه تزامن مع حالة من عدم اليقين الاقتصادي تحيط بثاني أكبر اقتصاد في العالم. ويواجه اقتصاد الصين في الوقت الراهن اضطرابا هو نتاج توليفة من العوامل بينها: انكماش كبير يشهده سوق العقارات، وتراجُع في الإنفاق الاستهلاكي، وارتفاع في مستويات الدين الحكومي، وشيخوخة السكان، والاعتماد على الصادرات التي باتت تواجه تحديات بعد عودة ترامب للبيت الأبيض وتهديده بفرض رسوم جمركية واسعة النطاق على المنتجات الصينية. في ضوء ذلك، يبدو مفهوماً أن الصين تتطلع إلى تنويع محفظتها الدولية من أجل تخفيف المخاطر المرتبطة بالسوق المحلية. أيضاً، يبدو مبرَّراً إقبالُ الصين على شراء سندات في الأسواق الخارجية بما يمكن أن يُدرّ عوائد أعلى، مقارنةً بالخيارات المحلية. انخفاض العوائد في الصين يمكن ترجمته كعلامة على ركود اقتصاد البلاد، فضلا عن انخفاض التوقعات الاقتصادية، على نحو دفع البعض مؤخراً إلى وصف ما يحدث بأنه تكرار نموذج الركود الاقتصادي الذي شهدته اليابان ولكن هذه المرّة في الصين. وثمة مخاوف اقتصادية من أن تعاني الصين لفترة طويلة ركوداً في النمو، وضغوطا انكماشية، على نحو ما شهدته اليابان في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، في أعقاب انفجار فقاعة الأصول اليابانية، ما دفع البعض إلى وصف هذه العشرية بـ العقد الضائع بسبب الركود الاقتصادي. وتُعدّ سوق السندات الصينية ثالث أضخم سوق من نوعها في العالم، بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بقيمة متراكمة تتجاوز 33 تريليون يوان (4.6 تريليون دولار)، وفقا لبيانات بنك الشعب الصيني.
ما هو وضع عائد السندات الحكومية في الصين اليوم؟ ما العوامل التي تقف وراء انخفاض عوائد السندات في الصين؟ وما هي الحلول التي تفكر فيها الصين لاستعادة الثقة في سوق السندات؟ 🇨🇳
ما هو وضع عائد السندات الحكومية في الصين اليوم؟ في الصين، تراجع العائد على السندات الحكومية مسجلاً انخفاضات قياسية. وسجلت السندات الحكومية لأجل عشر سنوات عائدا نسبته 1.65% مقارنة بـ 2.8% في العام السابق. بعض التقديرات المستقلة تتوقع تراجُع عائد السندات الحكومية الصينية لأجل عشر سنوات إلى ما دون 1% خلال العام الجاري. هذا العائد لا يزال يفوق معدل التضخم في الصين، الذي سجّل 0.10% في يوم 10 يناير الجاري. والعائد الحقيقي للسندات إيجابي، ما يعني أن المستثمرين يجنون عائداً يفوق التضخم. وتناهز قيمة العائد الحقيقي حاليا، قيمة العائد وقت صدور السندات. وربما يبدو ذلك مصدرا مستقرا للعائدات بالنسبة للمؤسسات الاستثمارية، لكن هذه المؤسسات قد تجد أسواق سنداتٍ أكثر جذبا في وجهات أخرى (على سبيل المثال، عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات سجّل 4.53% في يوم 27 يناير الجاري). أو قد تجد هذه المؤسسات فرصاً استثمارية أخرى، على سبيل المثال، في أسهُم رأس المال، أو في سندات الشركة والتي قد تدرّ عوائد أعلى. وإذا ربط المستثمرون بين انخفاض العائد وتراجُع الظروف الاقتصادية، فقد يفقدون الثقة في سوق السندات، وربما يدفعهم ذلك إلى بيع سندات بحوزتهم بخسارة في رأس المال والتوجّه إلى استراتيجيات أخرى في الاستثمار. وعادة ما تتخوف أي حكومة تُصْدر سندات حول العالم، من احتمال إقدام المستثمرين على بيع سنداتها غير الجذابة، فيما يُعرف اقتصاديا بظاهرة حُراس السندات. وهؤلاء الحُراس هم ببسيط العبارة مستثمرون أرادوا معاقبة السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة عبر بيع السندات الحكومية (الديون السيادية) بشكل مكثف، ما يؤدي بالتبعية إلى خفض أسعار تلك السندات، بينما ينشُد هؤلاء المستثمرون أصولاً أكثر أمانا. وينتج عن ذلك خسارة في رأس المال لدى المستثمرين الذين يملكون هذه السندات بعد أن انخفض سعرها. وفي ظل ثِقل أعباء الدين الحكومي في الصين، ثمة تخوُّف من سوء الأداء في أسواق السندات، كما يحدث في التداولات المعلّقة؛ عندما يعجز أحد طرفَي المعاملة عن سداد العائدات إلى المستثمرين بسبب اضطراب اقتصادي داخلي. ![]()
📉
ما العوامل التي تقف وراء انخفاض عوائد السندات في الصين؟ ● انخفاض قيمة أهم أصول الصين، العقارات السكنية. وفي ظل تراجُع الاقتصاد، بما في ذلك التراجُع الكبير في قطاع العقارات، يميل المستثمرون إلى الاتجاه لاستثمارات أكثر أمانا. هذا الاتجاه إلى الجودة من جانب المستثمرين عادة ما يثمر عن زيادة في الطلب على السندات الحكومية، والتي عادة ما يُنظر إليها على أنها أكثر أماناً من سندات الشركات أو سندات البلديات. ومع ارتفاع الطلب على السندات الحكومية، ترتفع أسعارها، ما يؤدي بدوره إلى انخفاض عائداتها. وبحسب مجلة الإيكونوميست البريطانية في عددها الصادر في 23 يناير الجاري، ثمة حوالي 32 مليون وحدة سكنية جاهزة للشراء؛ و49 مليون وحدة سكنية أخرى غير مستخدَمة. ويتطلب إنجاز مثل هذه الخطة خفْض قيمة الأصول على نطاق واسع، مع بحث الحكومات المحلية مسألة خفض أسعار هذه المنازل. وفي بعض الحالات، يتعين خفض الأسعار بأكثر من 50%. ● الضغوط تبدو كأوضح ما تكون في البنوك الصينية، التي تعتبر من أكبر المشترين للسندات الحكومية. ويتمثل جزء كبير من خطة الدولة لحل أزمة الإسكان في إقدام الحكومات المحلية على شراء عدد كبير من المنازل غير المُباعة. وعندما تقوم الحكومات المحلية بشراء عدد كبير من المنازل غير المباعة، فقد تحتاج هذه الحكومات إلى تمويل من البنوك عبر قروض او حدود ائتمانية. هذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى نزْح السيولة من البنوك، ما يحدّ من قدرتها على تمويل استثمارات أخرى، بما في ذلك السندات الحكومية أو إقراض الشركات والمستهلكين. علاوة على ذلك، فإنه في حال قدّمت البنوك قروضا بسخاء إلى الحكومات المحلية من أجل شراء منازل غير مباعة، فإن هذه البنوك في تلك الحال تكون قد انخرطت بقوة في قطاع العقارات، وإذا ما ظلت سوق العقارات ضعيفة أو كاسدة، فإن المخاطر المرتبطة بتلك القروض يمكن أن تُترجَم إلى معدلات عالية من التخلّف عن السداد. وهذا كفيل بأن يؤثر سلباً على جودة الأصول في الميزانيات العمومية للبنوك، وربما يُسفر عن مخصصات أعلى للديون المعدومة. ● الحكومات المحلية المثقلة بالديون. على مرّ السنين، راكمت الحكومات المحلية في الصين ديونا هائلة، بالأساس عبر ما يُعرف باسم أدوات تمويل الحكومة المحلية، والتي تُصْدر سندات لتمويل مشاريع بِنْية تحتية.
بدورِه، أسفر الاعتماد على هذه الأدوات عن ديون كبيرة خارج الميزانية العمومية (التزامات مالية غير مسجّلة على الميزانية العمومية للشركة. هذا يعني أن هذه الالتزامات لا تظهر في قسم الأصول والخصوم في البيانات المالية، ما يمكن أن يترتب عليه أن يظهر الوضع المالي للشركة أقوى مما هو عليه في الحقيقة). ❓❓
ما هي الحلول التي تنظُرها الصين لاستعادة الثقة في سوق السندات؟ تنظر الصين عددا من الحلول لمعضلة سوق السندات: ● زاد البنك المركزي معروضَه من السندات الحكومية: وسجّل إصدار السندات ارتفاعا قياسيا في ديسمبر الماضي، ليصل إلى 1.8 تريليون يوان (250 مليار دولار)، وعبر إصدار المزيد من السندات الحكومية، تستهدف البنوك المركزية ضخّ سيولة في النظام المالي. وهذا يمكن أن يساعد في الحدّ من نقص السيولة النقدية وفي العمل على استقرار الأسواق المالية في أوقات عدم اليقين الاقتصادي. وعبر زيادة المعروض من السندات الحكومية، تأمل السلطات في الحفاظ على ثقة المستثمرين وفي تخفيف آثار التصفيات المحتملة التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار. ● يمكن للحكومة كذلك أن تخفف الضغوط على سوق السندات عبر شراء حصص في سوق الأسهم. وهذا قد يؤدي إلى خفض الطلب على السندات الحكومية. أيضا هذا التحوّل كفيل بأن يؤدي إلى استقرار أسعار السندات إذا ما أصبحت سوق الأسهم أكثر جذباً للمستثمرين بفضل الدخول الجديد لرأس المال الحكومي. وعرض البنك المركزي الصيني حوالي 800 مليار يوان (110 مليار دولار، أو 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي) في عمليات إعادة إقراض للديون المسدّدة (تسليف أموال كان قد تم اقتراضها من قبل) مقابل عمليات شراء أسهُم وتسهيلات ائتمانية تبادلية منذ شهر سبتمبر الماضي. ● خلال الأسابيع الماضية، حُظر على بعض البنوك الصغيرة في الصين شراء سندات حكومية أو أُلغيتْ عمليات شراء كانت قد قامت بها هذه البنوك بالفعل. وفي الثالث من يناير الجاري، دعا البنك المركزي إلى اجتماع مع مدراء التمويل لإخبارهم بالحد من شراء السندات. مرة أخرى، هذه الخطوة كفيلة بخفض الطلب على السندات، وهذا بدوره كفيل بخفض أسعار هذه السندات. ● المزيد من خفض سعر الفائدة من قِبل البنك المركزي، وهو كفيل بخفض العائدات على السندات الحكومية الصادرة حديثا، وهذا من شأنه أن يؤثر على سعر السندات الموجودة بالفعل؛ ذلك أن انخفاض عائد السندات الصادرة حديثا سيجعل السندات الموجودة بالفعل ذات العوائد المرتفعة أكثر جاذبية في عيون المستثمرين، ما سيرفع سعرها، وبالتالي سيحقّق حَمَلة هذه السندات مكاسب رأسمالية. |
|
|
|
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |