|
|
الإعلان الأخير لجمعية حفر الباطن التعاونية في السعودية عن إنشاء ”أكبر مدينة للثروة الحيوانية“ في الشرق الأوسط قد يسلط الضوء عن مشروع جديد في صناعة تهيمن عليها أكبر شركة للثروة الحيوانية في المملكة وهي شركة المراعي. ![]() مدينة حفر الباطن للثروة الحيوانية
ما هي العوامل الرئيسية لخطط المملكة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الثروة الحيوانية؟ ما هي الاستراتيجيات الكامنة وراء قصة نجاح شركة المراعي في صناعة الثروة الحيوانية؟ وأي دولة في العالم يمكن اتخاذها كنموذج يحتذى به في صناعة الثروة الحيوانية، ولماذا؟ 🎯
في الطريق الي الاكتفاء الذاتي
في العام الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها حققت 70% من الاكتفاء الذاتي في قطاع الدواجن، وتستهدف تحقيق نحو 80% هذا العام، وتحقيق 90% بحلول عام 2030. كما حققت المملكة بالفعل نسبة 61% من الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء في عام 2023.
وتتوافق هذه الخطط مع طموح المملكة العربية السعودية لخفض الواردات الغذائية التي تمثل نحو 80% من احتياجاتها. وقد ازدادت الحاجة الملحة لتحسين الأمن الغذائي بعد جائحة كورونا، والاضطرابات التي شهدتها سلاسل الإمداد بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، والتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
🔎
العوامل الرئيسية تزايد عدد السكان واستقرار الأسعار: قبل خمسة وعشرين عاماً كان الوضع مختلفاً عما هو عليه الآن؛ إذ لم يكن عدد السعوديين والوافدين يتجاوز 15.5 مليون نسمة، وكانت واردات المملكة من اللحوم تبلغ حوالي 100 ألف طن، سواء من لحوم العجول الصغيرة أو العجول البالغة. واليوم، يبلغ عدد سكان المملكة نحو 34.2 مليون نسمة، وتقدر واردات المملكة من اللحوم بأكثر من 700 ألف طن. ويمكن أن يعزى هذا النمو السكاني السريع إلى عدة عوامل، منها زيادة معدلات المواليد، وجودة الرعاية الصحية، مما أدى إلى تراجع معدل الوفيات، وزيادة متوسط العمر المتوقع.
وفي ضوء ذلك، يعد تعزيز الأمن الغذائي أحد أهم أولويات المملكة في الوقت الراهن. وتعد المملكة العربية السعودية من بين أكثر الدول استهلاكاً للحوم في العالم؛ فمن المتوقع أن يصل متوسط استهلاك الفرد من اللحوم (بما في ذلك الدواجن) في المملكة إلى 50.8 كيلوغراماً في عام 2025، مقارنة بمتوسط استهلاك الفرد على مستوى العالم الذي يبلغ 35.4 كيلوغراماً. كما يبلغ متوسط استهلاك الفرد في المملكة من منتجات الألبان حوالي 90 لتراً/سنويا، ومن البيض حوالي 280 بيضة/سنوياً. ويمكن أن يُسهم مشروع مدينة الثروة الحيوانية الجديد بشكل كبير في تقليل اعتماد المملكة على واردات اللحوم الحمراء، وهو ما سيسهم بدوره في استقرار الأسعار، من خلال تأمين الإنتاج المحلي من تقلبات السوق العالمية، وتوفير النفقات المتعلقة بالرسوم الجمركية وتكاليف النقل. ![]() ويوضح هذا الرسم البياني من أرقام ماكرو الزيادة التدريجية في أسعار اللحوم الحمراء من مختلف الأصناف، خلال الفترة من 2009 إلى 2024. ويمثل هذا الارتفاع في الأسعار من 28.7 ريال سعودي إلى 52.6 ريال للكيلوجرام الواحد للحم البقري الطازج زيادة قدرها 79.31%. وهذه الزيادة الكبيرة في الأسعار قد تشير إلى حدوث تحول في آليات العرض والطلب؛ فإذا زاد الطلب على اللحوم الحمراء بسبب النمو السكاني، أو زيادة إنفاق المستهلكين، وكان المعروض غير كافٍ لتلبية هذا الطلب، فمن الطبيعي أن ترتفع الأسعار. وبخلاف ذلك، إذا زادت تكاليف الإنتاج (بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة، أو ارتفاع أجور الأيدي العاملة، على سبيل المثال)، سيؤدي ذلك أيضا إلى ارتفاع أسعار التجزئة.
🥩
استراتيجيات الاكتفاء الذاتي في إنتاج اللحوم يعتمد تحقيق الاكتفاء الذاتي من الثروة الحيوانية في المملكة على نهج يقوم على عدة جوانب، وهي: ● الاستثمار في البنية التحتية: تطوير بنية تحتية أفضل فيما يتعلق بنقل المنتجات الحيوانية، وطرق تخزينها، وتجهيزها للمستهلك، يمكن أن يعزز الكفاءة، ويقلل من الخسائر في هذا القطاع. كما يمكن أن يؤدي تحسين الطرق والمرافق إلى تسهيل وصول المزارعين إلى الأسواق.
(في العدد القادم من "أرقام ماكرو"، سنركز على قطاع النقل في المملكة من منظور الاقتصاد الكلي، مع تسليط المزيد من الضوء على استثمارات المملكة التي تبلغ قيمتها 147 مليار دولار تقريبا بحلول عام 2030 في هذا القطاع، لتصبح مركزا لوجستياً إقليمياً وعالمياً).
● تنويع الإمدادات: بالإضافة إلى سعي المملكة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، يمكن للمملكة أيضا تنويع خطوط إمداداتها من اللحوم للتخفيف من مخاطر الأمراض المختلفة، مثل أنفلونزا الطيور. ويمكن بعد ذلك نقل سلالات الجيل الثاني والثالث جواً إلى مواقع تربية في بلدان مختلفة، معروفة بشهرتها كمراكز زراعية، مثل البرازيل ونيوزيلندا، للوقاية من أي صدمات محتملة في الإمدادات. ● علف الماشية: يهدف المشروع الجديد إلى إنتاج حوالي 900 ألف طن من علف الماشية سنويًا. ففي في عام 2023، استوردت المملكة العربية السعودية 4.74 مليون طن من الذرة، وكانت البرازيل صاحبة النصيب الأكبر في تلك الواردات من الذرة بنحو 40%، ثم الأرجنتين بنسبة 39%، ثم الولايات المتحدة بنسبة 18%. وفي العام الماضي، استوردت المملكة حوالي 2.5 مليون كيلوجرام من الشعير، وكانت أستراليا صاحبة النصيب الأكبر في واردات الشعير هذه، بنسبة تصل إلى 50%، أعقبتها في ذلك روسيا وألمانيا ثم الولايات المتحدة.
وهذه الأرقام الضخمة للواردات تشير إلى أن السعودية تعتمد بقوة على الموارد الخارجية لتلبية احتياجاتها الزراعية. لكنْ تجدر الإشارة هنا إلى أن المملكة تخفّف من المخاطر المتعلقة باضطرابات سلاسل الإمداد أو التوترات الجيوسياسية عبر تنويع المورّدين بدلاً من الاعتماد على مورّد واحد. ولم يوضح المشروع الجديد كيفية إنتاج الأعلاف الحيوانية وأنواعها نظرًا لوجود حظر في المملكة على زراعة الأعلاف الخضراء منذ عام 2018 لتقليل استهلاك المياه المستخدمة في الزراعة. ويوفر هذا الإجراء للمملكة حوالي 9 مليار متر مكعب من المياه سنوياً. أما بالنسبة لمصانع الأعلاف الموجودة في المملكة فهي تنتج أعلافاً مصنعة باستخدام مكونات بديلة لا تتطلب نفس مستوى استهلاك المياه التي تستهلكها محاصيل الأعلاف الخضراء. ويمكن أن تستخدم هذه المصانع المواد الخام المستوردة أو المنتجات الثانوية من العمليات الزراعية الأخرى لإنتاج الأعلاف الحيوانية. ![]()
![]()
المراعي كنموذج يحتذى به في صناعة الثروة الحيوانية تأسست شركة المراعي في عام 1977، وهي أكبر شركة ألبان في البلاد والمنقطة، برأسمال سوقي يبلغ 15 مليار دولار أمريكي. وتمتلك الشركة حوالي 195 ألف بقرة، وتنتج 4 ملايين لتر من الحليب يومياً، بمتوسط يبلغ 40 لتراً لكل بقرة يومياً. وفي العام الماضي، أعلنت الشركة عن خطط توسعية بقيمة 18 مليار ريال سعودي (4.8 مليار دولار أمريكي) لزيادة أشكال وأحجام عملياتها. وتقوم الشركة ببناء منشأة جديدة لإنتاج المأكولات البحرية المحلية، بالإضافة إلى منشأة لإنتاج لحوم الأبقار والضأن، والتي من المفترض أن تكون جاهزة للعمل في غضون عامين. كما خصصت الشركة أيضا 1.8 مليار دولار من تلك الميزانية الاستثمارية لزيادة إنتاج الدواجن إلى 70% بحلول عام 2026، مستهدفةً بذلك تجهيز 450 مليون طائر سنويا، مقارنة بنحو 250 مليون طائر حاليا. ويشمل ذلك إنشاء مزارع جديدة وتحديث المزارع الحالية. الاستراتيجيات الرئيسية للشركة: 🥛
التكامل الرأسي تُعرف شركة المراعي السعودية بأنها أكبر شركة ألبان متكاملة رأسيا في العالم، وهذا يعني أنها تتحكم في كل جانب من جوانب عملية الإنتاج، من الزراعة إلى عمليات التشغيل والتوزيع. ويضمن هذا التكامل الجودة العالية، والانتظام في الإنتاج، مما يعزز ثقة المستهلك. 🌿
الزراعة تمتلك المراعي وتدير مزارعها الخاصة، حيث تقوم بتربية الماشية، مثل الأبقار الحلوب والدواجن، مما يسمح لها بإدارة الجودة المتعلقة بهذه الحيوانات، والظروف التي تُربى فيها بشكل مباشر. كما تدير الشركة مزارع تمتاز بجودة تربتها، من خلال شركتها التابعة فوندومونتي أمريكا الجنوبية في الأرجنتين.وتركز هذه المزارع في المقام الأول على إنتاج علف الحيوانات، مثل العلف الأخضر عالي الجودة، وهو علف ضروري للماشية. وتدير المراعي أيضاً أعمالا في الولايات المتحدة الأمريكية تحت مظلة شركة فوندومونتي هولدنجز أمريكا الشمالية، حيث تدير مزارع تساهم في إنتاج أعلافها أيضا. وتتيح هذه المواقع لشركة المراعي ضمان إمدادات ثابتة من الأعلاف عالية الجودة. 🌽
إنتاج الأعلاف من خلال إنتاج أعلاف الحيوانات الخاصة بها، تضمن المراعي حصول ماشيتها على تغذية عالية الجودة، وهو أمر بالغ الأهمية لصحة الحيوانات وجودة منتجاتها.🚜
التشغيل تمتلك شركة المراعي مرافق التشغيل والمعالجة الخاصة بها، حيث يتم تحويل الحليب الخام والمكونات الأخرى المشتقة منه إلى منتجات مستقلة، مثل الحليب، والجبن، والزبادي وغيرها من منتجات الألبان. وهذه الإدارة لعمليات التشغيل والمعالجة تسمح للشركة بالحفاظ على معايير عالية من النظافة والجودة.![]()
⚙️ استراتيجيات المراعي لإدارة المياه في مزارعها الخارجية تقنيات الري المتقدمة: تستخدم شركة المراعي في مزارعها في الولايات المتحدة الأمريكية أنظمة ري فعالة، مثل الري بالتنقيط، الذي يقلل من استخدام المياه مع ضمان حصول المحاصيل على الرطوبة اللازمة. وتعتبر هذه الطريقة فعالة بشكل خاص في المناطق القاحلة، حيث أنها توصل المياه مباشرة إلى جذور النباتات، مما يقلل من التبخر والجريان السطحي للماء. اختيار المحاصيل المقاومة للمناخ: تقوم الشركة باختيار وزراعة أعلاف مقاومة للجفاف، ويمكنها أيضا تحمل درجات الحرارة، من أجل توفير التغذية اللازمة الحيوانات. وهذه المحاصيل العلفية هي الأنسب للزراعة في الظروف ذات المناخ القاسي، مما يضمن إمدادات موثوقة من الأعلاف للماشية. الزراعة في بيئات يمكن التحكم فيها: تستخدم شركة المراعي تقنيات الزراعة في بيئات يمكن التحكم فيها، ويشمل ذلك الصوبات الزراعية، وهياكل التظليل التي تحمي المحاصيل من درجات الحرارة القصوى، وأشعة الشمس المباشرة، مما يساعد في الحفاظ على ظروف النمو المثلى. ممارسات إدارة المياه: تطبّق الشركة استراتيجيات شاملة لإدارة المياه، بما في ذلك تجميع مياه الأمطار وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي لأغراض الري. ويساعد هذا النهج في الحفاظ على الموارد المائية، ويضمن إمدادات مستدامة للعمليات الزراعية.
💪 نقاط القوة المالية الرئيسية للشركة أظهرت الشركة من خلال ميزانيتها العمومية الأخيرة مسار نمو قوي في الإيرادات، حيث سجلت زيادة بنسبة 5% على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 24. وتستفيد الشركة من محفظة منتجاتها المتنوعة التي تشمل منتجات الألبان والعصائر والمخبوزات والدواجن. ويساعد هذا التنويع في التخفيف من المخاطر المرتبطة بالاعتماد على خط إنتاج واحد ويسمح للمراعي بالاستحواذ على حصة سوقية أوسع عبر قطاعات مختلفة. فعلى سبيل المثال، شهد قطاعات الأغذية والأجبان والزبدة نموًا كبيرًا بنسبة 19% و10% على التوالي في الربع الرابع من عام 24. تحتفظ المراعي بمكانة رائدة في السوق السعودي في مختلف القطاعات، حيث تمتلك حصصًا سوقية كبيرة في قطاعات الألبان (49%) والأغذية (33%) والعصائر (46%) والمخابز (56%) والدجاج الطازج (35%). ويوفر هذا المركز المهيمن في السوق للشركة قوة تسعير وتقدير للعلامة التجارية، مما يساهم في استقرارها المالي. وأعلنت الشركة في بيانها المالي الأخير عن تدفقات نقدية حرة بلغت حوالي 1.5 مليار ريال سعودي في السنة المالية 24، مدعومة بتدفقات نقدية تشغيلية بقيمة 6 مليارات ريال سعودي. ولكن تجدر الإشارة إلى أن الدعم الحكومي لقطاع الألبان بالشركة الذي يتراوح بين 160 و200 مليون ريال سعودي سنوياً يساعد الشركة على إدارة تكاليف الإنتاج والحفاظ على أسعار تنافسية ودعم أدائها المالي في قطاع الألبان في نهاية المطاف. ويكتسب هذا الدعم أهمية خاصة في سوق يمكن أن تؤثر فيه التقلبات في أسعار السلع الأساسية والظروف الاقتصادية بشكل كبير على الربحية.
🇳🇿
نيوزيلندا: كيف حققت الاكتفاء الذاتي من الثروة الحيوانية؟
تعد نيوزيلندا من الأمثلة البارزة لبلد تمكن من تحقيق اكتفاء ذاتي كبير في الإنتاج الحيواني. فقد طورت صناعة قوية في مجال تربية الماشية، ولا سيما في قطاع تربية الأغنام، ومنتجات الألبان، مما سمح لها بتلبية الطلب المحلي، فضلاً عن أنها أصبحت مصدراً رئيسياً للحوم ومنتجات الألبان على مستوى العالم. المناخ والجغرافيا المواتية: يوفر المناخ المعتدل والجغرافيا المتنوعة في نيوزيلندا ظروفاً مثالية لتربية الماشية، كما تتمتع البلاد بوفرة المراعي التي تدعم أنظمة الرعي واسعة النطاق، وخاصة للأغنام والماشية. التركيز على السلالات عالية الجودة: استثمرت نيوزيلندا في تربية الماشية عالية الجودة التي تتناسب مع الظروف المحلية، ويشمل ذلك تطوير سلالات الأغنام التي تنتج أصوافاً ولحوماً عالية الجودة، وكذلك الأبقار الحلوب التي تنتج كميات كبيرة من الحليب. البحث العلمي والتطوير القوي: تركز نيوزيلندا تركيزاً قوياً على البحث العلمي والتطوير الزراعي، بدعم من مؤسسات كبيرة في البلاد، مثل مركز البحوث الزراعية، بالإضافة إلى وزارة الصناعات الأولية. وقد أدت هذه الأبحاث إلى تحقيق تقدم كبير في ضمان صحة الحيوانات، وطرق تربيتها، وكفاءة الأعلاف المنتجة، مما ساهم في رفع مستويات الإنتاجية بشكل واضح في البلاد. ![]() |
|
|
|
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |