الأسبوع الرابع عشر> استراتيجيات التخارج من المشروعات





 

استراتيجيات التخارج من المشروعات
خطة إنهاء المشروع لا تقل أهميةً عن خطة البدء فيه

 

تعد استراتيجيات التخارج من المشروع جزءاً مهما في مجال ريادة الأعمال، لكن يبدو أن مثل هذه الاستراتيجيات لا يفهمها أصحاب الأعمال والاستثمار بشكل كامل. كما إن ما يُكتب حولها قليل جداً، في وقت ينصب فيه تركيز رواد الأعمال على كيفية تدشين المشروعات، وتمويلها، والارتقاء بها.

كما يولي رواد الأعمال وأصحاب رأس المال الاستثماري اهتماماً واضحاً لاتخاذ قرارات الاستثمار واختيار مدة انخراطهم في الشركات الناشئة، وذلك بهدف تعظيم فرص نجاح مشروعاتهم، وزيادة قيمتها. وعندما ينظر هؤلاء إلى المستقبل، فإنهم لا يغفلون أهمية تطوير استراتيجيات التخارج من تلك المشروعات، مع تحقيق أكبر استفادة ممكنة لشركاتهم. 
ولذلك، فإن استراتيجية التخارج هي نية مستقبلية يمكن أن تتطور مع الوقت، وهو ما يجعل من الصعب وضع معايير واضحة لقياسها.

وثمة العديد من أنشطة اندماج الشركات أو الاستحواذ عليها حول العالم، إضافة إلى العديد من الشركات ذات الأحجام المتوسطة التي تخرج من رحم هذه الصفقات.
وفي العديد من تلك الشركات، يظل المؤسسون على رأس إداراتها وهم يبحثون عن فرصة للخروج منها. أضف إلى ذلك أن العديد من أصحاب الشركات التي تمتلكها عائلات يتوقعون أن يتقاعدوا، بينما يخطط بعضهم لنقل إدارة تلك الشركات للأجيال التالية.
وغالبا ما يطور أصحابُ الشركات استراتيجيات التخارج تلك في مرحلة يتشكل فيها كمُ كبيرٌ من الأثر، والتوجهات المستقبلية لتلك الشركات.

 
(ويقصد بنظرية الأثر في ريادة الأعمال كيف يُطور الأشخاص والمؤسسات خصائصَ محددةً من الخبرات المتراكمة خلال فترة زمنية حساسة، وهي خصائص تثبت وتدوم بعد ذلك عبر الزمن. وتسلط هذه النظرية الضوء على أهمية الخبرات السابقة في مجال ريادة الأعمال، وكيف يمكنها أن تؤثر في عمليات اتخاذ القرار لدى رواد الأعمال.)

وفي المملكة العربية السعودية 🇸🇦، يتمتع نحو 36% من بين 400 من مؤسسي الشركات الناشئة، بأكثر من 10 سنوات من الخبرة العملية قبل الشروع في تأسيس شركاتهم الجديدة. ومن بين هؤلاء، هناك 66% ممن يدشنون شركتهم الناشئة للمرة الأولى، و30% من إجمالي مؤسسي تلك الشركات كانت لديهم خبرة سابقة في مجال الشركات الناشئة على المستوى الإقليمي. 

وثمة تقديرات بأن 200 شركة سعودية ناشئة تلقت استثمارات بقيمة إجمالية بلغت أكثر من 12 مليار ريال سعودي في مشروعات استثمارية في السنوات العشر الماضية (2014-2023).

ومن المفيد أيضا التوصل إلى تعريف لاستراتيجية التخارج ، وذلك نظراً لوجود طبيعة متعددة المستويات لعمليات التخارج (والمقصود هنا خروج الشركات من الأسواق، وخروج مؤسسي الشركات من شركاتهم).


في هذا العدد من "أرقام ويك اند"، يمكننا أن نجيب عن الأسئلة التالية:
 
ما هي استراتيجيات التخارج الثلاث الرئيسية؟
ما هي العوامل الرئيسية المطلوبة لتنفيذ استراتيجية خروج مثالية؟
وما هو الفارق بين الفشل، وعملية التخارج في عالم ريادة الأعمال؟

 
3️⃣
الأنواع الثلاثة لاستراتيجيات التخارج

 🌱 استراتيجية الحصاد المالي:
يميل رواد الأعمال إلى تفضيل عمليات اتخاذ القرارات المبنية على وجود علاقة سببية.
ولتبسيط ذلك المعنى في كلمات واضحة، علينا أن نعرف أن هناك قرارات تُتخذ وفق معايير اجتماعية، أو أخلاقية، أو قانونية، بينما يُتخذ بعضها الآخر وفق العواطف التي تسيطر على المرء، بيد أن كثيراً من تلك القرارات يُبنى على النتائج التي نتوقعها سلفاً.

وبالتالي، لكي نتنبأ بتبعات خياراتنا المختلفة، فمن الضروري أيضا في بعض الأحيان أن نحلل الأسباب المتعلقة بالوضع الراهن.
وتُبنى هذه العملية على ما يعرف بـ المعرفة السببية بشأن النظام الذي يجري فحصه، وهو ما يساعدنا في اتخاذ قرارات أكثر ملائمة للوضع القائم، ويجنبنا أي تبعات سلبية في المستقبل.

وتقودنا هذه الخطوة في العادة إلى إحدى عمليتين رئيسيتين؛  إما طرح عام أولي، أو استحواذ من طرف شركة أخرى، وهو ما ينتج عنه تحقيق قيمة كبيرة يستحقها رائد الأعمال.

وينظر إلى عمليات الطرح العام الأولي، والاستحواذ، على أنها أكثر عمليات التخارج تحقيقا للأرباح بالنسبة للمؤسسين والمستثمرين الآخرين. والأثر الذي ينتج عن تلك العمليات هو أن هؤلاء الذين تحفزهم المكافآت المالية من الأساس، من المحتمل أن يبحثوا عن عمليات خروج ترتبط بتحقيق حصاد مالي.


🛡️ استراتيجية الرعاية:
إن الشركات التي تتبنى استراتيجية التخارج من خلال استمرار تقديم الرعاية اللازمة للإدارة الجديدة، يقودها عامل الاستقلال، فهي شركات لديها فرقٌ تأسيسيةٌ ذات حجم أصغر، لكنها توظف عددا أكبر من الموظفين.

وتعد استراتيجية التخارج من هذا النوع مألوفة أكثر في خلافة الشركات العائلية التي تسلم الراية للجيل التالي. وتقوم هذه الاستراتيجية في الأساس على تقديم الرعاية للآخرين الذين ينخرطون في العمل في المؤسسة، وهذا المبدأ يسبق النظر إلى تحقيق مكاسب مالية شخصية.

فالشركات العائلية تتمتع بوجود ارتباط عاطفي قوي، وتعد النقطة المرجعية الأكثر أهمية لدى وضع القرارات الاستراتيجية الرئيسية (مثلما يحدث في عمليات التخارج أو تسليم الخلافة لجيل جديد) هي فقدان الثروة الاجتماعية العاطفية - أي تلك العوامل غير ذات الصلة بالنواحي المالية للشركة، التي تستجيب للاحتياجات العاطفية للعائلة، مثل الحفاظ على الهوية، واستمرار القدرة على ممارسة النفوذ العائلي، وبقاء واستمرارية سلالة الأسرة.

كما تعد استراتيجية الشراء من جانب الموظفين هي أيضا استراتيجية خروج تقوم على نموذج تقديم الرعاية. وهي تعني شراء حصة الأغلبية في الشركة من طرف موظفي تلك الشركة. ويتيح هذا النوع من التخارج لرواد الأعمال تقديم مكافأة للأشخاص المخلصين للشركة، الذين ساعدوا أصحاب تلك الشركات في إقامة أعمالهم والنهوض بها. 


🚫 استراتيجية التوقف طوعاً عن العمل:
وتعني عملية التوقف عن العمل طواعية أن يقرر أصحاب العمل إغلاق مشروعهم التجاري بسبب ظروف تقع تحت سيطرتهم.

وتقع تلك العملية في غالب الأحيان عند القيام بعمليات تصفية الشركات وإيقاف العمل، وهي تسمح للمؤسسين بحل المشروع عندما ينتهي النشاط الرئيسي لذلك المشروع، أو يجري تغييره،  أو عندما تحقق الشركة هدفها الأساسي الذي أقيمت من أجله.
ويمتلك الشركات الناشئة ويديرها في أغلب الأحيان أشخاصٌ يعملون لحسابهم الشخصي. 


 
🔦
عوامل تؤثر في استراتيجيات التخارج

1- الربح المتوقع من المشروع.
2- مستوى عدم اليقين في المشروع.
3- عدم التوافق في المعلومات المتوفرة بين أصحاب الشركات والراغبين في المشاركة فيها (مثل المشترين المحتملين لها، والمستثمرين الجدد).
4- التضارب المحتمل في المصالح بين أصحاب الشركة.
5- أوضاع الأسوق المالية وقت التخارج.
6- الخصائص التي تميز أصحاب رأس مال المشروع.



 
╰┈➤
عمليات التخارج من المشروع لا تعني الفشل

إن عمليات التخارج من أي مشروع لا تعني بالضرورة فشل ذلك المشروع، فمن الوارد جداً أن يتخلى أصحاب الشركات الخاصة ومؤسسوها عن تلك الشركات التي ساعدوا في إنشائها. وعند قيامهم بذلك، فإنهم يحددون أهدافاً في الوقت الحالي، سوف تساعدهم في تحويل أعمالهم إلى أعمال أكثر جاذبية. إذ إنهم يضعون استراتيجية يتغلبون من خلالها على عقبات قد تطرأ لهم مستقبلا، عندما يقررون البدء في عملية التخارج .

وثمة العديد من الأبحاث والدراسات والاستطلاعات التي أجريت في كل من الولايات المتحدة وأوروبا توضح الفروق بين الفشل والتخارج من المشروعات، وهي تشير إلى أن الشركات تنفذ عملية التخارج هذه من خلال العديد من مسارات التخارج المختلفة، ويشمل ذلك تحديد عمليات التصفية الطوعية للشركات كأحد الخيارات المتاحة حتى أمام الشركات المتعثرة.

 
ووفق دراسة أكاديمية ضخمة أجريت في الولايات المتحدة 🇺🇸، فإن ما يقرب من 50% من الشركات الناشئة تمكنت من البقاء والصمود لفترة بلغت أربع سنوات، بينما أغلقت 17% من تلك الشركات، وكانت لا تزال تعد شركات ناجحة، في حين أغلقت 33% من تلك الشركات واعتبرت شركات غير ناجحة. وكانت تلك الدراسة من بين أولى الدراسات التي فرقت بين عمليات الإغلاق الناجحة للشركات وغير الناجحة.

وبالمثل، أجرت دراسة أخرى في السويد فحصاً دقيقا للشركات العاملة في البلاد، وتوصلت إلى أن الشركات التي تعاني من ضوائق مالية، وتلك التي تتميز بالأداء الجيد، جميعها يمكن أن يخرج من السوق.

وفي بلجيكا، أحصت دراسة أخرى أن 6118 عملية خروج سُجلت لشركات كانت تمر بضائقة مالية، وكشفت أن نحو 41 % من الشركات تقدمت بطلب لإعلان الإفلاس، وأن 44% من الشركات اختارت التصفية طواعية، بينما كانت هناك عمليات استحواذ شملت نحو 14% من الشركات في البلاد.

وأجرى باحثون آخرون دراسات حول مسارات عمليات التخارج التي تقوم بها الشركات داخل قطاع رأس المال الاستثماري. فعلى سبيل المثال، فحصت إحدى الدراسات 223 عملية تجارية أوروبية في مشروعات رأس المال الاستثماري، وتوصلت إلى أن الشركات العاملة حاليا تبلغ نسبتها 16% من الشركات الأوروبية، بينما تبلغ نسبة الشركات التي تعمل في قطاع الاكتتاب العام الأولي 14% وبلغت نسبة الشركات التي نفذت عمليات استحواذ 33%، ونسبة الشركات التي أجرت عمليات إعادة شراء 8%، ونسبة الشركات التي نفذت عمليات تصفية وشطب من أسواق المال 16%. 


🆚 استراتيجيات الاستجابة مقابل استراتيجيات التخارج:
ويتعلق هذا الأمر بالطريقة التي تتصدى بها الشركات القائمة للمنافسة الشرسة التي يبديها الوافدون الجدد، وتمكنها من الدفاع  عن حصتها في السوق، وزيادة احتمالات خروج الشركات الجديدة من المنافسة. وتستهدف تلك الشركات القائمة من وراء ذلك كله الحفاظ على أرباحها حتى لا تمس. 

إذ تتزايد احتمالات خروج شركة جديدة منافسة من السوق عندما تتبع الشركة القائمة خطة تركز أكثر على استراتيجية الاستجابة لديها. ويتوقف هذا الأمر بصورة كبيرة على موارد وقدرات تلك الشركة القائمة.
(والمقصود بالموارد والقدرات هي تلك الأصول، والمعرفة، والمهارات التي تمتلكها المؤسسة، وقدرتها على توظيف هذه الموارد بطريقة فعالة)".

لكن تبني هذه الاستراتيجية المتعلقة بالاستجابة من جانب  الشركات ذات الموارد والقدرات الضعيفة قد يؤدي إلى استنزاف مواردها، وهو ما قد يجعل ردود الفعل والإشارات التي تبديها أقل من أن تلاحظها الشركات المنافسة الجديدة. ولذلك، فإن الشركات التي تنقصها مثل تلك الموارد والقدرات القوية ستجد أنه من الأجدى بالنسبة لها أن تطبق استراتيجية دفاعية مركزة.
 
 💡 تطبيق استراتيجية نجم الشمال الذي قاد كولومبوس:
وفي الختام، يمكننا أن نذكر هذه النصيحة التي يتناقلها كثيرون بكثافة في الأدبيات الأكاديمية المتعلقة بالاقتصاد: 
"مثل نجم الشمال الذي قاد كولومبوس عبر المحيط الأطلسي إلى أمريكا، ينبغي لك أن تستخدم تعريفك للنجاح ليكون لك عنواناً استراتيجياً في حياتك.

إذ إنه يجعلك تنطلق في المسار الصحيح، ويساعدك في البقاء في ذلك المسار الصحيح، كما إنه ينير لك الطريق في أوقات الشعور بعدم اليقين، أو الشعور بالابتعاد عن المسار، حتى تصبح كل مرحلة في دورة الحياة الخاصة بمجال ريادة الأعمال أوضح وأسهل عند التعامل معها، إذا كنت تعلم بالضبط ما الذي تخطط لإنجازه في مجال عملك في نهاية المطاف.

 


أقرأ أيضــــاً
تحليل أداء السندات وإصدارات الديون العالمية خلال الربع الثالث من عام 2024

أعلنت شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية) عن الانتهاء من طرح صكوك دولية ضمن برنامج SA Global Sukuk Limited's Trust Certificate Issuance Program بعائد 4.250 للصكوك المستحقة خلال 5 سنوات، و4.750% للصكوك المستحقة خلال 10 سنوات.
استكشف الدراسة
هل يؤثر عدم توافر السيولة على ربحية الشركات؟

تكمن الصلة بين السيولة المتوفرة لدى الشركة وبين الربحية (أي قدرتها على تحقيق الأرباح بشكل مستمر) في ذلك الأثر الفوري الذي تتركه مثل هذه الجوانب على السلامة المالية للشركة، وقدرتها على التوسع بشكل متواصل مع مرور الوقت.
أقـــرأ المقال
ما الدوافع الحقيقية وراء انتهاج الصين سياسة مالية "ثورية"؟

تعدّ الصين إحدى أبرز الاقتصادات الصاعدة والنامية في آسيا والعالم؛ وذلك في ضوء ما تحققه من أرقام مذهلة على صعيدَي النمو الاقتصادي والتجارة الدولية.

وليس أدَلّ على الوتيرة السريعة للنمو الذي تحققه الصين، من صعودها من المركز السادس في عام 2000 إلى المركز الثاني في عام 2010 على قائمة النواتج المحلية الإجمالية الأعلى في العالم، متجاوزة بذلك اليابان وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا.
أقـــرأ المقال
Facebook
Twitter
LinkedIn
Instagram
YouTube
حمل تطبيقاتنا
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2024، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة