الأسبوع الثالث عشر > الاستثمار في أفريقيا: هل أنت من محبي المخاطر أم ممن يبحثون عن النمو؟





 

الاستثمار في أفريقيا: هل أنت من محبي المخاطر
أم ممن يبحثون عن النمو؟

 

بدأت معظم البلدان الأفريقية في تبني سياسات صديقة للاستثمار، أي تلك التي تتوافق مع متطلباته، ومن بينها تعليق الضرائب، وما يعرف بالعطلات الضريبية، وتحرير الاقتصاد، وإصدار سياسات تنظيمية تهدف إلى إكسابها ميزات تنافسية في سوق الاستثمار.

لكن رغم الجهود التي يبذلها صناع السياسات في أفريقيا لجذب الاستثمار الأجنبي، يبدو أن القارة الأفريقية لا تحقق الاستفادة المطلوبة من تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إليها.

وقد أظهرت بعض الدراسات أن الجزء الأكبر من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر يتركز على وجه التحديد في منطقتي أمريكا اللاتينية وآسيا. وفي واقع الأمر، يقدم خبراءُ الاقتصاد الدولي تفسيرا مفاده أن أغلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة باتت تتجه أكثر نحو الاقتصادات المتقدمة؛ مثل الولايات المتحدة، وهولندا، وألمانيا، إضافة إلى الصين في الفترة الأخيرة، وذلك على حساب الاقتصادات النامية في أفريقيا. ويمكن لهذا التوجه أن يُعزَى إلى ضَعْف الهياكل المؤسسية، وتلك المسؤولة عن بالحوكمة والإدارة في كثير من البلدان الأفريقية.

 
وقالت مجموعة "إتش إس بي سي هولدنجز" القابضة الشهر الماضي إنها تفكر في بيع أعمالها في جنوب أفريقيا، لأن تركيز جهات تقديم القروض والاستثمارات بات ينصب أكثر على الأسواق الآسيوية.

وفي العام الماضي، أغلقت 20 شركة ناشئة من الشركات الكبيرة أبوابها في أنحاء مختلفة من أفريقيا، وهو عدد قياسي، كما خفضت العديد من الشركات الأخرى عملياتها بسبب وجود شح عام في التمويل، وهو ما خلَّف أثراً واضحا على كثير من البلدان في أفريقيا.

لقد ظهرت في القارة معضلة استثمارية واضحة خلال السنوات العديدة الماضية. فمن ناحية، تمثل الاستثمارات الأجنبية في المحافظ تدفقات رأسمالية يمكن اعتبارها غير منتظمة، رغم فوائدها المحتملة للاقتصادات التي تستضيف تلك المحافظ. كما إن التدفقات الاستثمارية الغزيرة تضع ضغوطاً تضخمية كبيرة على الأصول المالية. ومن ناحية أخرى، فإن التدفقات الخارجية الكبيرة والمفاجئة يمكن أن تتسبب في حدوث ضائقة مالية في الاقتصاد.
وليس ثمة منطقة في العالم تُعرف بالمخاطر والصدمات، بما في ذلك الكوارث الطبيعية، والصراعات المسلحة، وغياب الاستقرار السياسي، كما تُعرف أفريقيا.

في هذا العدد من "
أرقام ويك-إند"، نجيب عن الأسئلة التالية:

 
 ما هي العوامل الأساسية الدقيقة وراء تقلبات الاستثمارات في المحافظ المالية في أفريقيا؟ 
 كيف تؤثر في سلوك المستثمرين الأجانب؟ 
 لماذا يأتي محبو المخاطر للعمل في أفريقيا؟ 
 
⚙️
العوامل الأساسية الجزئية

🔀 الطبيعة غير المنتظمة للمستثمرين الأجانب في بعض البلدان الأفريقية:
تُظهر بعض الدراسات الأكاديمية أن المشاركة المتزايدة للاستثمار الأجنبي في الاقتصاد أثارت قلقاً بالغا بشأن استقرار السوق المالي، وذلك في ظل الطبيعة غير المنتظمة للمستثمرين الأجانب.

فهؤلاء المستثمرون تدفعهم رغبة كبيرة في تحقيق مكاسب قصيرة الأجل، ولذا، وبمجرد أن تتحقق تلك المكاسب، فإنهم يسارعون إلى الخروج من الاقتصاد المحلي، وينتقلون إلى وجهات أخرى.

فالمستثمرون الأجانب من السهل أن يتأثروا بالصدمات الاقتصادية، التي قد تؤدي إلى اضطراب في الأسواق المالية. وبالتالي، فإن هيمنة المستثمرين الأجانب على السوق ربما تنطوي على مخاطر تتعلق بتهديد استقرار السوق المالي والاقتصاد.

فبوسع هؤلاء المستثمرين الأجانب الذين يرغبون في الانسحاب من الاقتصاد تحويل هذه الاستثمارات إلى أوراق نقدية بكل سهولة. ومن ثم، فإن استثماراتهم تهدد بحدوث تقلبات أكثر في السوق مقارنة باستثمارات المحافظ المحلية. ويمكن لهذه التقلبات أن تصبح أكثر عنفاً، إذا ما أظهر المستثمرون الأجانب ما يعرف بـ سلوك القطيع، من خلال الانسحاب بصورة جماعية استجابةً لأي صدمات اقتصادية قد تلوح في الأفق.



⏬ نقص الاستثمار العام:
غالبا ما يُظهر الاستثمار العام في البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية ميلاً إلى أن يكون عاملاً مُكملاً للاستثمار الخاص؛ وذلك نظرا لأنه يُسَهِل كلاً من تنفيذ خطط الاستثمار الخاص وكذلك فرص تحقيقها.

كما إن نقص الاستثمار العام في بعض البلدان الأفريقية يخيف المستثمرين الذين يفضلون الفرار من المخاطر. والعكس صحيح أيضا في البلدان المتقدمة، فمع أن الاستثمار العام قد يوفر التسهيلات اللازمة المتعلقة بالبنية التحتية في البلدان النامية، ومن ثم تعزيز الاستثمار الخاص، فإن القطاع العام في الاقتصادات المتقدمة يتسم بحجمه الكبير بالفعل، وقد يدخل في منافسة مع القطاع الخاص.

إضافة إلى لذك، تشهد أفريقيا زيادة في حوادث الإرهاب أو الحروب الأهلية (مثلما يحدث في مالي، والسودان، والصومال، ونيجيريا على وجه الخصوص). وقد أدى هذا الوضع الإقليمي الذي يفتقر إلى الاستقرار إلى زيادة الإنفاق العسكري في كثير من البلدان، وذلك على حساب الاستثمار الحكومي في البنية التحتية، وقطاعات أخرى. كما تؤدي الحروب كذلك إلى تدمير هائل في البنية التحتية المرتبطة بالإنتاج (مثل المنشآت المتعلقة بالاتصالات، والطرق، والمنازل، والمدارس، والمستشفيات، إلى غير ذلك).


💰 ما يهم أكثر هو العوائد الكافية:
دائما ما يميل المستثمرون الذين يتحلون بالحكمة والتعقل إلى تعظيم العوائد المنتظرة من هذه الأصول المالية، ومن ثم، فإن مستوى الاستثمارات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتلك العوائد المتوقعة. وهذا ما يجعل المستثمرين في بعض البلدان الأفريقية يتطلعون إلى جني عوائد أكبر، بهدف تعويض الخسائر المحتملة بسبب زيادة نسبة المخاطر هناك، لكن تلك العوائد المرجوة يصعب تحقيقها في هذه البلدان.

وفي ظل الحاجة إلى جذب مزيد من الاستثمارات إلى الاقتصاد، أقدم عدد كبير من البلدان في منطقة جنوب الصحراء الكبرى  على إجراء العديد من الإصلاحات في القطاع المالي، وذلك على مر السنوات الماضية. وقد نُفذت تلك الإصلاحات في القطاع المالي بهدف توفير بيئة استثمارية مشجعة يمكنها تعزيز عوائد رأس المال.


🪙 العملة المحلية:
لقد باتت قيمة العملة في بعض البلدان الأفريقية، بمرور الوقت، عرضة إلى تقلبات كبيرة. 
كما إن حالة عدم اليقين بشأن أسعار الصرف دفعت كثيرا من المستثمرين إلى خفض استثماراتهم الأجنبية، حرصاً منهم على تقليل فرص التعرض للمخاطر. ويمكن تحقيق ذلك عن طريق التحكم في حدود الائتمان، والمساهمة في استقرار القطاع المالي.

يبدو أن استثمارات المحافظ الأجنبية تحقق ازدهاراً في ظل الاقتصادات التي تشهد فيها قيمة العملة المحلية تراجعا كافياً، إذ يمثل ذلك عامل جذبٍ للمستثمرين الأجانب؛ وبالتالي، فإن قيمة العملة ترتبط بإحداث تأثير كبير في سوق الاستثمارات.

 
🤔
لكن بعد كل ما ذكرناه آنفا، هل هناك محبون للمخاطر في أفريقيا؟

يمكننا الإجابة بـ نعم، فعندما يتعلق الأمر بالبلدان المعروفة بضعف مؤسساتها بشكل نسبي، نجد أنه عادة ما يستغل المستثمرون المغامرون وجود ثغرات في النظام، فضلا عن وجود مجموعة من الحوافز التي تقدمها الحكومات وصناع السياسات من أجل تشجيع الاستثمار في مثل هذه البيئات ذات المؤسسات الهشة. ومن ثم، ينتظر هؤلاء المستثمرون الوقت المناسب للاستفادة من استثماراتهم هذه، ثم يغادرون البلاد.

وفيما يتعلق بهؤلاء المستثمرين، فإن عدم اليقين في بيئة الاقتصاد الكلي، وفي ظل وجود هياكل تنظيمية متساهلة في قضايا البيئة وحمايتها (مثل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون)، يوفر لهم ذلك فرصة مواتية من أجل زيادة محافظهم الاستثمارية وتعظيم ما يحققونه من عوائد.




أقرأ أيضــــاً
الحوافز الضريبية للشركات والحد من "هروب" الأرباح لملاذات آمنة

تلعب السياسة الضريبية دورا هاماً في تنظيم الاقتصاد الكليّ. وبإمكان الدول أن تفرض ضرائب على الدخل المكتسب على أراضيها؛ لكن ثمة تفاوتات بين دولة وأخرى فيما يتعلق بالمعدلات الضريبية التي تفرضها، وبتعريف كل دولة لماهية القاعدة الضريبية أو (الوعاء الضريبي)، وأخيرا فيما يتعلق بالحوافز التي تقدّمها كل دولة بهدف جذب الاستثمار. 
أقـــرأ المقال
كـيف يـمكن للمســتثمر تــخصيص اســتثماراتــه بين الـصناديـق النشــطة والــغير نشــطة؟

مقارنة بين صناديق مُدارة بشكل نشط وأخرى مُدارة بشكل سلبي: كيف تختار بينهما بناءً على توقعات العائد والتكاليف؟ هذه الفكرة الأساسية هي محور نقاش "أرقام ويك اند" ما بين الاستثمار النشط والسلبي.
استكشف الدراسة
عاملان حاسمان تتوقف عليهما صناعة شحن الحاويات بالكامل

ثمة دورٌ محوريٌ لصناعة النقل البحري في عمليات التجارة العالمية؛ إذ يُنقل ما يقرب من 80% من حجم تجارة البضائع في العالم عبر عمليات الشحن البحري، فضلا عن نقل ما بين 55% إلى 67% من قيمة التجارة العالمية من خلال هذا النوع من الشحن. 
أقـــرأ المقال
Facebook
Twitter
LinkedIn
Instagram
YouTube
حمل تطبيقاتنا
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2024، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة