|
|
لقياس أثر الذكاء الاصطناعي على الناتج المحلي الإجمالي السعودي على المدى البعيد، من المهم إحصاء المنافع الاقتصادية الملموسة لاستثمارات المملكة في الذكاء الاصطناعي من خلال دراسة دور المقياس الاقتصادي الرئيسي "القيمة الاقتصادية المضافة". يوفر هذا المقياس رؤى معرفية مفيدة حول المسار الذي تنتهجه المملكة لتحقيق التنوع الاقتصادي وتعزيز قدرتها التنافسية في المجال التكنولوجي. توفر المقاييس التقليدية مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي في حد ذاتها رؤى معرفية قيمة حول معدل إنفاق الدولة على البحث والتطوير، ولكن غالبًا ما تعجز تلك المقاييس عن احتساب القيمة الفعلية المضافة من الابتكارات التكنولوجية. 
وفي إطار استرشاد المملكة بأهداف رؤية 2030، فإنها تخطو خطوة استراتيجية ستحجز بها مكانًا في قائمة الرواد العالميين لمجال الذكاء الاصطناعي من خلال الاستثمار في هذا المجال. فعلى هامش زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة للمملكة، أبرمت شركة الذكاء الاصطناعي الجديدة "هيوماين (Humain)" السعودية المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة صفقةً مع شركة "نفيديا (Nvidia)" لإنشاء مركز بيانات للذكاء الاصطناعي بقدرة 500 ميجا وات.  فعقد مثل تلك الشراكة مع أكبر شركة مصنعة لشرائح الذكاء الاصطناعي في العالم من شأنه وضع المملكة بالمعني الحرفي في طليعة صفوف البلدان التي يمكنها الحصول على الشرائح الامريكية شديدة التطور، لتسبق بذلك دولاً كثيرة، بما فيها الصين، حيث ستحصل المملكة من نيفيديا على 18,000 شريحة من شرائح GB300 Blackwell حديثة الابتكار. تتيح تلك القدرة المهولة إمكانية توفير الدعم لنماذج الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق، ومعالجة البيانات الضخمة، وتوفير خدمات الحوسبة السحابية، حيث تلعب تلك العناصر دورًا أساسيًا في تعزيز التحول الرقمي بمختلف القطاعات داخل المملكة. ولم تُكشف للعلن قيمة هذا الاستثمار. تدخل شركات تقنية أمريكية أخرى في شراكات استراتيجية مع شركة هيوماين. فقد أعلنت شركة ادفانسد مايكرو ديفايسز (Advanced Micro Devices) أيضًا عن التزامها بتنفيذ مقررات اتفاقية تجارية بقيمة 10 مليارات دولار تحتم عليها توفير بنية أساسية لحلول حوسبة الذكاء الاصطناعي قدرتها 500 ميجا وات. كما كشفت شركتا أمازون وسيسكو سيستمز عن إبرام كل منهما على حدة لصفقات لدعم حزمة شبكات وسحابة شركة هيوماين. 
💵 قياس القيمة العائدة من صفقات الذكاء الاصطناعي عندما نجري تحليل القيمة الاقتصادية المضافة لتقييم مبادرات الذكاء الاصطناعي، فإننا بذلك نسعى للتعرف باستفاضة على كيفية تحقيق استثمارات الذكاء الاصطناعي تلك لقيمة مستدامة ومدى انعكاسها على نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة على المدي الطويل. يساعد هذا المقياس الاقتصادي الرئيسي في معرفة ما إذا كان مركز بيانات الذكاء الاصطناعي المقرر تأسيسه في المملكة والمدعوم بشرائح نفيديا سيحقق عوائد تفوق تكلفة رأس مال المشروع أم لا. يشتمل عنصر تكلفة رأس المال على المخاطر المرتبطة بالاستثمار. وعند استخدام سعر فائدة البنك المركزي كنقطة بداية في تحليل القيمة الاقتصادية المضافة، فهذا يضمن الاستناد إلى أساس مرجعي واقعي وطيد الارتباط بالدولة، مما سيساعد في على ترشيد عملية اتخاذ القرارات. يبلغ سعر الفائدة حاليًا في المملكة 5%. وعلى الرغم أن هذا السعر يوفر معيارًا مرجعيًا يمكن الاستناد إليه، إلا أنه لا يشمل كل المخاطر الإضافية المرتبطة بالاستثمار في أعمال البحث والتطوير بما فيها تلك المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. تشتمل تلك المخاطر على المخاطر الجيوسياسة والاستقرار الاقتصادي والتضخم وسياسات الحكومة وتقلب السوق. ولهذا شرع خبراء الاقتصاد في تعديل سعر الفائدة وزيادته ليشمل هذه المخاطر من أجل الوقوف على تكلفة رأس المال الفعلية.  على سبيل المثال، لنفترض أن سعر الفائدة يبلغ 5%، في حين تبلغ علاوة المخاطر 2%. تكلفة الرأس المال المعدل = سعر فائدة البنك المركزي + علاوة المخاطر = 5% +2% = 7% تمثل النسبة (7%) قيمة تكلفة رأس المال المستخدمة في معرفة ما إذا كانت عوائد صفقة نفيديا ستفوق الحد الأدنى المطلوب (أي: ستتجاوز نسبة تكلفة رأس المال البالغة 7%) أم لا. وقد تشمل تلك العوائد مثلاً: الظفر بمكاسب تكنولوجية أو ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي أو تحقيق التنوع الاقتصادي. بصيغة أخرى، إذا كانت المنافع الاقتصادية الفعلية أو القيمة الاقتصادية المضافة من الاستثمار تفوق هذه النسبة (7%)، فهذا يعني أن الاستثمار يحقق قيمة صافية إيجابية للمملكة العربية السعودية، مما يجعلها صفقة ناجحة ومجدية اقتصاديًا. يشتمل التحليل على توقع الأرباح التشغيلية المستقبلية التي تتحقق نتيجة الاستفادة من إمكانات مركز بيانات نفيديا والتي تتضمن مثلاً دعم نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة ومعالجة البيانات الضخمة وتوفير الخدمات السحابية، ومن ثم مقارنة تلك الأرباح التشغيلية بتكاليف الاستثمار ومتطلبات رأس المال. 
لنتناول مثالاً افتراضيًا لتوضيح هذا الأمر، نظرًا لعدم إعلان أي أرقام رسمية تخص هذا الاستثمار حتى كتابة هذا التحليل يوم 26 مايو 2025 (الساعة 08:00 مساءً بتوقيت غرينتش). لنفترض بأن المبلغ المخصص لإنشاء مركز البيانات وتركيب شرائح نفيديا يبلغ 1 مليار ريال سعودي. من المتوقع أن يبلغ صافي الدخل المتزايد (السنوي) 250 مليون ريال سنويًا (نتيجة لتزايد توفير الخدمات السحابية ودخول صناعات الذكاء الاصطناعي إلى السوق وتوفير فرص توظيف عالية التقنية). تبلغ تكلفة رأس المال (المعدلة لتشمل المخاطر) 7%، في حين يمتد العمر الإنتاجي للمشروع لخمس سنوات (بافتراض تحقيق معدل أداء ثابت). لنفترض أن صافي الدخل المتزايد المتوقع سيبلغ 250 مليون ريال سنويًا. لتقييم ما إذا كان المشروع سيضيف قيمة حقيقية أم لا، سنخصم تلك الأرباح المستقبلية من النسبة (7%) والتي تمثل تكلفة رأس المال. ستبلغ إجمالي القيمة الحالية على مدار 5 سنوات 1,024.61 مليار ريال تقريبًا. بعد طرح قيمة الاستثمار الأولي البالغ 1 مليار ريال، ستكون القيمة الاقتصادية المضافة 24.61 مليون ريال تقريبًا. تشير تلك القيمة الاقتصادية المضافة الإيجابية إلى أنه من المتوقع أن يحقق الاستثمار قيمة تفوق تكلفته، مما يشير إلى أنه يسهم بإيجابية في تحسين الناتج المحلي الإجمالي. وهذا مثال فقط لتبسيط تحليلنا الاقتصادي.
🇸🇦 طفرة المملكة العربية السعودية في مجال البحث والتطوير زادت بشكل كبير نسبة النفقات المخصصة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة لصالح أعمال البحث والتطوير في السنوات الأخيرة، حيث كانت 0.06% في 2003 وأصبحت 0.56% في 2023، وفقا لآخر البيانات الرسمية المعلنة وهو ما يعبر عن حجم التحول الاستراتيجي الذي تنتهجه المملكة لوضع محور الابتكار والبحث العلمي ضمن أولويات أجندتها الاقتصادية الوطنية. تمثل هذه الزيادة تقريبًا نحو تسعة أضعاف ما كانت عليه منذ عقدين، مما يعكس حجم الإجراءات السياسية المدروسة والجهود المبذولة لتحقيق التنوع الاقتصادي وإيلاء محور البحث والتطوير بالتقدير المناسب لدوره كركيزة رئيسية للنمو المستدام. وفقًا لأحدث البيانات الصادرة، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية نحو 1.068 تريليون دولار أمريكي. خُصص لمجال البحث والتطوير 0.56486% من الناتج المحلي الإجمالي، والذي يعادل بلغة الأموال 6.03 مليار دولار. يرتبط الاستثمار المتزايد في الذكاء الاصطناعي بشكل وطيد بالهدف الأوسع نطاقًا المتمثل في تحسين الإنفاق على أعمال البحث والتطوير، والتي تحظى بدور جوهري في تحويل توجه الدولة نحو بناء اقتصاد قائم على المعرفة.  يحظى القطاع الحكومي بالنصيب الأكبر من مخصصات إنفاق البحث والتطوير حيث بلغت نفقاته 12.12 مليار ريال في 2023 أي ما يعادل 53.6% من إجمالي مخصصات البحث والتطوير. في حين بلغ نصيب القطاع الخاص في هذا الإطار نحو 9.31 مليار ريال. وأشارت الهيئة العامة للإحصاء في تقاريرها إلى زيادة عدد العاملين في مجال البحث والتطوير، حيث وصل عددهم إلى 49,337 موظفًا بنهاية 2023 بنسبة زيادة تبلغ 12.2% عن السنة السابقة. وبلغ عدد الباحثين 36,832 باحثًا، بنسبة زيادة بلغت 22.1% عن السنة السابقة. ورغم كل المعطيات السابقة، فإن حجم إنفاق المملكة العربية السعودية على أعمال البحث والتطوير لا يزال متوسطًا مقارنةً بدول رائدة عالميًا في البحث والتطوير، فبلدان مثل كوريا الجنوبية وأمريكا تستثمر في أعمال البحث والتطوير بنسبة تتراوح عادةً ما بين 3% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة. |
|
|
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |