الأسبوع الحادي والأربعون > كيف يمكن للعوامل الجيوسياسية أن  تساهم في رسم استراتيجيات السعودية على صعيد الموارد الطبيعية؟





 

كيف يمكن للعوامل الجيوسياسية أن  تساهم في رسم استراتيجيات السعودية على صعيد الموارد الطبيعية؟
 

يتسم مشهد الموارد العالمية بالتعقيد المتزايد، وفي ظل ذلك المشهد لا ينبغي الاستهانة بالتحليلات المتعمقة التي تسلّط الضوء على المناطق الغنيّة بالمعادن حول العالم، لا سيّما بالنسبة لقوى اقتصادية من العيار الثقيل كالسعودية.

وثمة مناطق حول العالم تزخر بالمعادن النادرة، وهذه تمثل فُرصاً اقتصادية هائلة؛ غير أن هذه المناطق مع الأسف غالباً ما تشهد توترات جيوسياسية وعدم استقرار.

ولن يتيح ارتياد هذه المناطق فُرصاً للاستثمار والشراكات فحسب، وإنما سيفتح الطريق كذلك أمام تعزيز سلاسل الدعم، كما سنوضّح في هذا التحليل.

ولقد اخترنا السودان وأوكرانيا، كمثالين قويين، وسنحاول استكشاف الفُرص الاستثمارية في هاتين المنطقتين اللتين تعانيان صراعاً مُسلحاً، لا سيما في سياق ما بعد انتهاء الحرب.

وحتى وقت كتابة هذا التقرير، لا يزال هذان البلدان يعانيان عدم الاستقرار بسبب الحرب، لكنهما سيحرصان ولابُدّ بعد انتهاء الحرب على اجتذاب مستثمرين أجانب لإعادة بناء الاقتصاد ولاستعادة العلاقات مع المجتمع الدولي.

ورغم ما تشير إليه التوقعات من فُرص استثمارية مُربحة في هذين البلدين، إلا أنه من الأهمية بمكان أن يقف المستثمرون على المشهد بكافة تفاصيله.

وفي تحليلنا هذا، نسلّط الضوء على المشكلة الرئيسية التي قد يواجهها المستثمرون في هذين البلدين -كمثال- بعد انتهاء الحرب.

 
🇸🇩
عوائد مُجزية في السودان

نلقي في تقريرنا الضوء على ثلاث فُرص استثمارية واعدة في السودان ما بعد الحرب: قطاع الصمغ العربي المُربح؛ وتدشين مركز لوجستي في بورسودان؛ والاستفادة من موارد الذهب الكثيرة في السودان.

وتضمّ هذه القطاعات فُرصاً هائلة للنمو الاقتصادي والاستثمار الأجنبي في المنطقة.


الصمغ العربي:
 لو يستقرّ السودان، حينئذ يمكن للمستثمرين أن يحققوا أرباحاً من صناعة الصمغ العربي. وكان السودان قبل الحرب يوفّر نحو 70% من إجمالي الإنتاج العالمي من الصمغ. ومن شأن الاستثمار في هذا القطاع أن يجعل من المستثمرين مورّدين أساسيين في سوق نامية.

وقبل اندلاع الحرب الأخيرة في السودان، في 2023، كانت التقديرات تشير إلى أن سوق الصمغ العربي العالمية ستتجاوز قيمتها 3 مليارات دولار بحلول عام 2025. وارتفع سعر الصمغ العربي إلى حوالي 4,000 دولار للطن، من 1,200 دولار قبل الحرب.

ويدخل الصمغ العربي في صناعات عديدة مثل المشروبات الغازية، والحلوى، ومنتجات الألبان، والمخبوزات، فضلا عن مستحضرات التجميل. ويتمتع الصمغ العربي بقدرة على تثبيت المُستحلبات، ما يساعد في الحفاظ على قوام هذه المنتجات وعلى نكهتها كذلك.

 

وتستعين شركات كبرى في مجال المشروبات الغازية، مثل كوكاكولا وبيبسيكو، بمادة الصمغ العربي في عمل تركيباتها، لا سيما في صناعة الصودا - حيث يعمل الصمغ على تثبيت النكهة واللون.

وعلى مدى العقود الماضية، اكتسب الصمغ العربي أهمية بالغة لدى شركات الأغذية حول العالم، ما دفع تلك الشركات إلى إقناع الإدارة الأمريكية في حقبة التسعينيات باستثناء الصمغ العربي من العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان.

ويمكن للمستثمرين أن يدشّنوا مصانع معالجة لتنقية الصمغ العربي وتعبئته. ومن شأن خطوة كهذه في السودان أن توفر فُرص عمل، فضلا عمّا ستمثله من تطوير للبنية التحتية في البلاد.

وعبر معالجة الصمغ العربي محلياً، يمكن للمستثمرين الاستفادة من هوامش الربح الكبيرة التي تصاحب إنتاج سِلع ذات قيمة مضافة، بدلاً من الاكتفاء بتصدير المواد الخام إلى الأسواق الدولية، لا سيما في أوروبا كما سيوضّح الشكل التالي.

ومنذ بدء الحرب، نُهب أكثر من 30 ألف طن من الصمغ العربي، وفقاً للغرفة التجارية السودانية. ويجري الآن تهريب الصمغ العربي لدول الجوار السوداني، قبل أن يجد مكانه بعد ذلك في سلاسل توريد دولية وإقليمية. 




مركز لوجستي:
تقع مدينة بورسودان على ساحل البحر الأحمر، وتزخر بعدد من الفرص الاستثمارية القادرة على تعزيز سلاسل التوريد، لا سيما بعد انتهاء الحرب.

وتعتبر بورسودان نقطة عبور حيوية للبضائع الواردة إلى السودان والخارجة منه. ومن شأن الاستثمار في المرافق اللوجستية، كالمستودعات، ومراكز التوزيع، وخدمات النقل، أن يُيسّر سَير العمليات التجارية.

 

على سبيل المثال، يمكن للشركات الأجنبية التي تقدم خدمات لوجستية أن تدشّن مراكز إقليمية في بورسودان، والتي ستدعم سلاسل التوريد في المنطقة وعلى طول البحر الأحمر.

 كما أن تدشين مناطق اقتصادية خاصة في بورسودان يمكن أن يزيد من جذب الاستثمارات المباشرة الأجنبية، فضلاً عن تحفيز الأنشطة التصنيعية.

هذه المناطق الاقتصادية الخاصة يمكن أن تقدّم حوافز ضريبية، وأن توفّر بيئة تشجيعية للشركات من أجل إنتاج بضائع للتصدير.

ومن شأن هذه المرافق أن تعزّز كفاءة سلاسل التوريد بشكل كبير، عبر السماح للمُصنّعين بالعمل قُرب طُرق الشحن.


الذهب:
إلى جانب الصمغ العربي كمورد طبيعي، يزخر السودان بفيض من المعادن النفيسة، وعلى رأس تلك المعادن يأتي الذهب؛ حيث يملك السودان احتياطات هائلة من المعدن الأصفر.

وتقدّر احتياطات السودان المؤكّدة من الذهب بنحو 533 طناً، مع احتياطات قيد التقييم تزيد على 1,100 طن.

 

ورغم احتدام الصراع المسلح في السودان، فقد باعت حكومة البلاد في عام 2024 حوالي 64.4 طن من الذهب في مقابل 1.6 مليار دولار، وفقا لتقرير حديث عن الشركة السودانية للموارد المعدنية.

ويتعذّر حصْر إجمالي الذهب الذي يخرج من السودان حاليا، بسبب الحرب وعمليات التهريب عبر الحدود.

وفي عام 2024، أنتج قطاع التعدين التقليدي في السودان حوالي 53 طناً من الذهب، بينما أنتجت الشركات التي لديها امتيازات حوالي 11 طنا.

ولو استقرّ السودان وانتهت الحرب، يمكن لأعمال التعدين في الذهب أن تكون أكثر إنتاجية وأماناً.

على سبيل المثال، شركات مثل الشركة السودانية للموارد المعدنية تمتلك الإمكانات اللازمة لتوسيع عملياتها وزيادة إنتاجها، بما يوفّر للشركاء من المستثمرين فُرصاً هائلة للتعاون.


 

 
⚔️     
مشكلة الاستثمار الرئيسية في السودان ما بعد الحرب

يعاني القطاع المصرفي السوداني مشاكل جمّة، ما يشكّل مخاطر وتحديات عديدة أمام المستثمرين الأجانب، وهو ما يؤثر بشكل كبير على قراراتهم قبل الاستثمار في السودان:

1. محدودية توفُّر الائتمان:

تقييد القطاع المصرفي بالسودان يترك كثيرا من المؤسسات المالية عاجزة عن تقديم قروض وائتمان للشركات. وفي ظل ذلك، قد يجد المستثمرون الأجانب صعوبة في تأمين ما يلزمهم من الأموال للقيام بأعمالهم.

2. ارتفاع تكلفة المعاملات المالية:

في ظل محدودية عدد البنوك وشركات الخدمات المالية، قد يجد المستثمرون الأجانب أنفسهم مضطرين إلى دفع رسوم أعلى وإلى الانتظار لفترات أطول قبل أن تتم معاملاتهم المالية. وهذا من شأنه أن يجعل البيئة الاستثمارية في السودان أقلّ جذباً للمستثمرين الأجانب.


3. صعوبات في التدفق النقدي:

من شأن صعوبة الحصول على تمويل كافٍ أن تؤدي إلى مشكلات في تدفّق النقد للشركات الأجنبية العاملة في السودان. وفي ظل ذلك الوضع، قد يواجه المستثمرون صعوبات في الوفاء بتكاليف العمليات التشغيلية وغيرها من الالتزامات المالية في وقتها.


4. صعوبة في التخارج من الاستثمارات:

في حال قرّر المستثمر التخارج من استثماراته، فإن الافتقار للاستقرار في القطاع المالي في السودان من شأنه أن يعقّد عملية تحويل الأموال إلى بلدانها الأصلية أو بيع الأصول. وهذا يعني خسائر مالية للمستثمرين، فضلاً عمّا يحمله من رسائل للمستثمرين الجُدد المحتمَلين.

 
🇺🇦
ثروة أوكرانيا الدفينة

تشير التقديرات إلى ما قيمته حوالي 10 تريليونات دولار من المعادن المحتملة في أوكرانيا، لكن الجدوى الاقتصادية لاستخراج تلك المعادن لا يزال يكتنفها الغموض بسبب الحرب مع روسيا.

وقد اتخذت السعودية موقفا محايدا إزاء طرفَي تلك الحرب منذ بدايتها في فبراير 2022، وركزّت المملكة على التعاون الاقتصادي؛ وبهذا الموقف يمكن للسعودية أن تقدّم نفسها كصانعة سلام بدلاً من أن تكون طرفاً مؤججاً للتوتر.

ولنُلقِ نظرة سريعة على النسخة الأخيرة من خريطة الموارد الطبيعية في أوكرانيا وفي المناطق التي يسيطر عليها الروس.

هذه الاحتياطات الضخمة من المعادن الثمينة تؤكد أن أوكرانيا مؤهلة بقوة لكي تكون لاعبا بارزاً في سوق المعادن العالمية، ولكي تكون محطّ أنظار المستثمرين في ظل مشهد عالمي معقّد على الصعيد الجيوسياسي.




الجرافيت:
أحد المكونات الضرورية في بطاريات أيونات الليثيوم، التي تستخدم على نطاق واسع في صناعة السيارات الكهربائية، والهواتف الذكية، والحواسيب اللوحية المحمولة، فضلاً عن نُظم تخزين الطاقة المتجددة.

 
التيتانيوم:
من المعلوم أن أوكرانيا تنعم باحتياطات من التيتانيوم. ويشهد الطلب على التيتانيوم ارتفاعا في مختلف الصناعات (بما في ذلك صناعات الفضاء)، ما يعزز قيمته المالية.

الزركونيوم:
يُستخدم على نطاق واسع في الصناعات النووية نظراً لتدنّي قدرته على التقاط النيوترون ومقاومته العالية للتآكل. كما يُستخدم الزركونيوم في تطبيقات الفضاء نظراً لقوته ومقاومته للحرارة.

الليثيوم:
لعل أهم استخداماته يتمثّل في بطاريات أيونات الليثيوم، والتي تُستخدم بدورِها في تشغيل طيف عريض من الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية - بما في ذلك الهواتف الذكية، والحواسيب اللوحية المحمولة، والأجهزة اللوحية، فضلاً عن السيارات الكهربائية.
 
⛏️
معادن نادرة أخرى:

اليورانيوم:
تزخر أوكرانيا باحتياطات معتبَرة من اليورانيوم، والذي يعتبر ذا أهمية استراتيجية في الإنتاج النووي. هذه الاحتياطات تجعل من أوكرانيا مقصدا للباحثين عن فُرص استثمارية، لا سيما في ظل تزايد الاهتمام العالمي بالطاقة النووية.

الغاز الطبيعي:
تمتلك أوكرانيا احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي، تقدّر بنحو 5.4 تريليون متر مكعّب.
 
🔍   
مشكلة الاستثمار الرئيسية في أوكرانيا ما بعد الحرب

تكمن هذه المشكلة في عملية معالجة المعادن. وعادة، لا تستغرق عمليات استخراج المعادن من باطن الأرض وقتاً طويلاً مقارنةً بعمليات معالجة هذه المعادن بعد استخراجها؛ حيث تحتاج هذه العمليات إلى استثمارات ضخمة وإلى الاستعانة بتقنيات متقدمة.

 على سبيل المثال، تحتاج مصانع معالجة المعادن أن تتجهّز بدرجة معيّنة؛ بحيث يمكنها التعامل مع الخصائص الكيميائية لتلك المعادن، كالليثيوم والتيتانيوم.

كما تحتاج مصانع معالجة المعادن إلى أن تكون مصمَّمة على نحو تستطيع معه التعامل مع أنواع معيّنة من الخام، ولكي تستطيع إنتاج سِلَع جاهزة للسوق. وعادة ما يتم ذلك على مراحل متعددة كما يحتاج إلى استثمارات كبيرة.


ولنأخذ ذلك المثال الهام من أستراليا:

منجم الليثيوم في جرينبوشز، هو أحد أكبر مناجم الليثيوم في العالم، ويقع في غرب أستراليا، وقد دخل في الخدمة منذ حقبة الثمانينيات من القرن الماضي.

ولا تستغرق المرحلة الأولى من العمليات والمتمثلة في استخراج الليثيوم الخام (الإسبودومين) من باطن الأرض وقتاً طويلا نسبيا.

لكن على العكس من ذلك، تستغرق عملية معالجة الليثيوم -بمعنى تحويل المادة الخام (الإسبودومين) إلى هيدروكسيد الليثيوم وكربونات الليثيوم- في مصنع المعالجة بـجرينبوشز وقتا طويلا، مقارنة بالوقت المستغرق في عملية الاستخراج.

وتحتاج عملية المعالجة إلى استثمارات ضخمة، فضلا عن أن العملية قد تستغرق سنوات.
شركة تيانكي ليثيوم، على سبيل المثال، واحدة من أكبر الشركات المتخصصة في تطوير وتصنيع وبيع منتجات الليثيوم، قالت في سنة 2020 إن إنشاء مصنع خاص لمعالجة الليثيوم كان متوقعاً أن يتكلّف حوالي 300 مليون دولار أسترالي (حوالي 215 مليون دولار أمريكي) وأن يستغرق عامين حتى يكتمل بناؤه.
 


أقرأ أيضــــاً
تعريفات ترامب الجمركية: استكشاف الواقع التجاري الجديد بين السعودية والولايات المتحدة

من المفترض أن يؤدي فرض إدارة ترامب تعريفة جمركية إضافية بنسبة 10% على الصادرات السعودية، باستثناء النفط، وفي حال تطبيقها سيؤدي ذلك إلى انخفاض تدريجي في واردات الولايات المتحدة من المملكة العربية السعودية، كما سنشرح بالتفصيل، مع عرض لبعض الأمثلة، في هذا العدد من أرقام ويك إند.
استكشف المزيد
مخالفات البناء بين التسوية وعدم التسوية: حماية استثمارك العقاري

في تقريرنا بهذا العدد الأسبوعي من أرقام ويك اند، نلقي الضوء على جانب ذي أهمية كبيرة، ومع ذلك غالباً ما يتم تجاهله في سوق العقارات، وهو مخالفات أكواد أو قوانين البناء والآثار الاقتصادية والمالية المترتبة على ذلك.

ولتصنيف العقار من هذه الناحية أثر كبير على قيمته السوقية ومستوى جاذبيته، سواء في السعودية أو في غيرها من البلاد حول العالم.
استكشف المزيد
Facebook
Twitter
LinkedIn
Instagram
YouTube
حمل تطبيقاتنا
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة