|
|
غالباً ما تشهد الأصول المالية التقليدية اضطرابات ملموسة في أوقات ارتفاع المخاطر الجيوسياسية. عندئذ يكون من الضروري تحديد أصول بديلة تستطيع الحفاظ على القيمة في حال واجهت العملات التقليدية انخفاضاً أو تقلُّباً في قيمتها. ولا يجني وضْع هذه الأصول في محافظ استثمارية مزايا التنويع فحسب، وإنما يعزز أيضاً عملية المرونة والصمود في ظل اضطرابات السوق. وفي هذا التقرير نسلط الضوء على آثار العمليات العسكرية، على توجّهات المستثمرين. ومعلوم أنّ هناك ترابُطاً بين الأسواق المالية العالمية، ما يعني أن الأحداث التي تقع في منطقة ما تتردد أصداؤها في العالم كله، بما يؤثر حتى على المناطق التي لا تشهد حروبا. وعلى ضوء ذلك، ينبغي على المستثمرين التفكير في تحويل رؤوس أموالهم إلى أصول قادرة على الصمود في مواجهة التوترات والصراعات، على نحو ما سنوضّح في تقريرنا. هذه الفئات من الأصول تعتبر وسائل للتحوُّط ضد انخفاض قيمة العُملات التقليدية وتقلبات السوق؛ لذلك فهي تعتبر ضرورية كمَحافظ استثمارية متنوعة في أوقات ارتفاع المخاطر الجيوسياسية. ![]() الأسهم الدفاعية في أزمنة الاضطراب، تكون أسهُم الشركات في بعض القطاعات أقلّ تأثُّراً بالدوائر الاقصادية، بل إنها تميل إلى الأداء بشكل أفضل. ومن ذلك: قطاع المرافق، وقطاع السلع الاستهلاكية الأساسية (كالأطمعة والمشروبات، والسلع المنزلية)، وقطاع الرعاية الصحية. وغالباً ما توفّر هذه الشركات منتجات ضرورية وتقدّم خدمات حيوية، بغضّ النظر عن الضغوط الجيوسياسية. على سبيل المثال، في فبراير 2022، اجتاحت الأسواق العالمية حالة من عدم اليقين بسبب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية. ![]() في ظل هذا الاضطراب، أظهرت شركة بروكتر آند جامبل - الأمريكية الشهيرة في قطاع السِلع الاستهلاكية الأساسية- درجة ملحوظة من الاستقرار، على عادة الشركات التي توفّر السِلع الضرورية. وتتخصص بروكتر آند جامبل في إنتاج مجموعة من السِلع الضرورية للحياة اليومية، بما في ذلك منتجات العناية الشخصية (على سبيل المثال مستحضَر العناية بالشعر "هيد آند شولدرز")، ومستلزمات صحية مثل حفّاضات الأطفال "البامبرز"، فضلاً عن منتجات التنظيف المنزلية الضرورية. وتتّسم هذه السِلع بأنّ الطلب عليها دائم، بغضّ النظر عن الظروف الاقتصادية السائدة أو التوترات الجيوسياسية القائمة. وفي 31 يناير 2022، شهد سعر السهم في شركة بروكتر آند جامبل تداولا عند 161.53 دولار. ومع زيادة المخاوف بشأن احتداد الصراع، شهد سعر السهم تراجُعاً، ليتداول عند 143.53 دولار في 28 فبراير 2022. ![]() هذا التراجع (حوالي 6.67%) يمكن أن يُعزى بدرجة كبيرة إلى تفاعُل السوق مع حالة عدم اليقين الجيوسياسية بسبب الحرب، أكثر منه تأثُراً بمشكلات تتعلق بإدارة العمل في شركة بروكتر آند جامبل. ولكن، على الرغم من هذا التراجع المبدئي، إلاّ أن سهم بروكتر آند جامبل أظهر مرونة؛ فسرعان ما تعافى، متداولاً عند 149.70 دولار (بارتفاع يناهز 4.8%) في 31 مارس 2022. هذا التعافي، يعكس قوة الأداء التشغيلي للشركة، كما يعكس استمرار الطلب على ما تُنتجه من سِلع ضرورية. وبشكل عام، يمكن القول إن أداء شركة بروكتر آند جامبل إبّان الأزمة الجيوسياسية يعكس أهمية السِلع الضرورية في حياة المستهلكين، كما يؤكد ما يمكن أن توفّره أمثال تلك الشركات من عوامل استقرار في أوقات التحديات الاقتصادية. ![]() على النقيض، منصّات شركة ميتا، التي تمتلك وتشغّل فيسبوك، كمثال من القطاع التقني، شهدت تراجعاً كبيرا في سعر السهم. في الأول من فبراير 2022، كان سهم شركة ميتا يتداول عند 324.86 دولار. وبعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ونتيجة لتأثير ذلك على السوق، سجّل سعر سهم شركة ميتا تراجُعاً حاداً. وفي 28 فبراير 2022، تراجع سعر السهم في شركة ميتا إلى 222.31 دولار (بانخفاض حوالي 31.5%). وفي نهاية مارس 2022، كان سعر السهم في شركة ميتا يتداول عند 207.50 دولار (بانخفاض حوالي 36.2%)، ما يشير إلى استمرار في الهبوط بمعدلات ملموسة. هذان المثالان يفسّران سلوك الأسهُم الدفاعية التي تُظهر مرونة وصموداً، في مقابل الأسهُم التِقنية أو الدورية في أزمنة الاضطرابات والأزمات. ![]() ![]() الدرع الذهبية لا تؤثر المخاطر الجيوسياسية على أسعار الذهب فحسب، وإنما تؤدي إلى زيادة نشاط التداول. من أبرز الأمثلة على هذه الظاهرة، ما حدث في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، عندما أدى الذُعر بين المتداولين إلى موجة شرائية محمومة، لترتفع أسعار الذهب بقوة في ظلّ بحث المستثمرين عن أصول الملاذ الآمن. أيضاً، إبان الصراعات العسكرية الكبرى، مثل حرب الخليج، أو إزاء التصعيد الأمريكي-الإيراني مؤخراً بسبب البرنامج النووي الإيراني، أو بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، أو التوترات المستمرة في منطقة الشرق الأوسط – في ظل هذه الأجواء تميل أسعار الذهب إلى الارتفاع حيث يسعى المستثمرون إلى التحوّط ضد الاضطرابات الاقتصادية المحتملة وفترات الركود في السوق بسبب تلك الأحداث. ![]() ويسجّل مؤشر المخاطر الجيوسياسية ارتفاعات بشكل متزايد لدى ارتفاع المخاطر الجيوسياسية- وهي فترات مثّلتْ تحدياً للمستثمرين على مدى السنوات الثلاث الماضية. وسجل مؤشر المخاطر الجيوسياسية 15 ارتفاعاً في 2024– أيام شهد فيها المؤشر ارتفاعا بأكثر من 100%- على خلفية توترات الحرب الروسية-الأوكرانية والتطورات في الشرق الأوسط. وفي عام 2023، سجل مؤشر المخاطر الجيوسياسية 31 ارتفاعاً، فيما سجل المؤشر 20 ارتفاعاً في 2022، و41 ارتفاعاً في 2021. ![]() وهذه أحداث شهيرة شهدت قفزات أو ارتفاعات كبيرة في أسعار الذهب جرّاء توترات جيوسياسية وحروب: 1. حرب الخليج (1991): أعلى سعر: حوالي 411 دولاراً للأونصة في يناير 1991. 2. هجمات الحادي عشر من سبتمبر (2001): أعلى سعر: حوالي 325 دولاراً للأونصة في أواخر سبتمبر 2001. 3. حرب العراق (2003): أعلى سعر: حوالي 400 دولار للأونصة في مارس 2003. 4. ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم (2014): أعلى سعر: حوالي 1,350 دولار للأونصة في بدايات 2014. 5. جائحة كوفيد-19 (2020): أعلى سعر: حوالي 2,067 دولار للأونصة في أغسطس 2020. 6. الحرب الروسية-الأوكرانية (2022): أعلى سعر: حوالي 2,070 دولار للأونصة في مارس 2022. 7. حرب إسرائيل على غزة (2024): أعلى سعر: تجاوز سعر الأونصة 2,900 دولار خلال العام الماضي بسبب حرب إسرائيل على غزة التي اندلعت رداً على هجمات السابع من أكتوبر 2023.
🛢️
الذهب الأسود: جاذبية مرونة النفط نظراً لكونه سلعة، ولدوره الضروري في إمدادات الطاقة العالمية، عادة ما يشهد النفط ارتفاعاً في الطلب إبّان الصراعات؛ حيث تسعى الأمم إلى تخزين احتياطات وضمان أمن الطاقة. وإذاً، تميل أسعار النفط إلى الارتفاع، لتعمل كملاذ آمن للمستثمرين الباحثين عن تأمين مَحافِظهم المالية ضد تقلبات السوق. وربما كان المثال الأشهر في هذا الصدد هو أزمة النفط التي وقعت في عام 1973 بعد الحرب بين مصر وإسرائيل. ففي أثناء الحرب، فرضت دول أوبك حظراً على الدول التي يُعتقد أنها تدعم إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية. هذا القرار استهدف ممارسة ضغوط اقتصادية على تلك الدول عبر تقييد إمدادها بالنفط. وقبل القرار، كان سعر النفط حوالي 3 دولارات للبرميل. وبعد سريان قرار الحظر، سجلت أسعار النفط ارتفاعات كبيرة. وبنهاية الأزمة في عام 1974، كانت أسعار النفط قد ناهزت 12 دولاراً للبرميل، بزيادة تجاوزت نسبتُها 300%. ويمكن أنْ تُعزى التقلبات في أسعار النفط، بشكل جزئيّ، إلى مخاوف المستثمرين في أوقات الصراعات. فقد يدفع الخوف المستثمرين إلى موجات شراء محمومة لعقود النفط الآجلة، حيث يتوقعون اضطراباً في سلاسل الإمداد أو مسارات النقل. ![]() الأصول اللامركزية يجري تداوُل العُملات المشفرة عبر شبكات لامركزية؛ فلا تخضع للتحكّم المباشر من قِبل أي مؤسسة أو حكومة. وفي أثناء الحروب، قد تفرض الدول أو تواجه عقوبات تقيّد الوصول إلى النُظم المصرفية والمالية التقليدية. وتتميز العملات الرقمية بدرجة عالية من السيولة والتوفّر على مدار الساعة، ما يسمح للمستثمرين بشراء أو بيع أصول في أي وقت تقريبا. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من العملات المشفرة تقوم على تقنية البلوكتشين، المصمَّمة خِصيصاً لضمان الشفافية والأمان. ويرى مستثمرون عديدون في البيتكوين وسيلةً للتحوّط ضد التضخم، على غرار الذهب. وفي أوقات المخاطر الجيوسياسية تتزايد المخاوف بشأن انخفاض قيمة العُملة، وحينئذ يمكن للذهب والبيتكوين أن يساهما في حماية القدرة الشرائية. وتناولتْ دراسة سلوك العملات المشفرة مقارنة بالأصول التقليدية للملاذات الآمنة (كالذهب على سبيل المثال) والعديد من المؤشرات المالية (كمؤشرات الأسهم والسلع) إبان الاضطرابات الجيوسياسية والعقوبات الاقتصادية. وبتطبيق تلك الدراسة على الحرب الروسية-الأوكرانية، نرى أنه عند نقطة معينة خلال فترة التحضير للحرب، وتحديداً في ديسمبر 2021 -على نحو ما هو موضح في الشكل أدناه
سجّلت عُملة البيتكوين أعلى سعر لها عند 60,000 دولار. ويمكن تفسير هذه الزيادة في سعر البيتكوين بأنها استجابة للطلب المتزايد على وسيلة للتحوّط، وسط مخاوف من تداعيات الحرب، والعقوبات وما يصاحبها من عوامل ضغط اقتصادية. ![]() وبالتزامن مع ذلك، قفزت أسعار الذهب متجاوزة 2,000 دولار للأونصة، ما عزّز سُمعته العريقة كملاذ آمن في أوقات الأزمات. وفيما يُنظَر إلى الذهب عموماً باعتباره أصلاً مستقراً وذا تاريخ في حِفظ القيمة، فإن أسعار العُملات المشفرة يمكن أن تشهد قفزات في أوقات قصيرة بسبب مخاوف وتكهنات راجعة إلى ديناميات السوق. وفي مقارنة أخرى، يمكن القول إن الأسهُم عادة ما يكون ردّ فِعلها دراماتيكياً إزاء المخاطر النظامية والمزاج العام للمستثمرين في السوق، بينما لا تزال أسعار البيتكوين تحتفظ بثبات نسبي أو أنها تتعافى بوتيرة أسرع إبان الاضطرابات المالية. وأرسل اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في 24 فبراير عام 2022 موجات صادمة إلى الأسواق المالية في وقت كان فيه المستثمرون يعانون بالفعل من ارتفاع معدلات التضخم ويتوقعون مزيدا من الارتفاع في أسعار الفائدة. ![]() وفي 24 فبراير، سجّل مؤشر يوروستوكس600 انخفاضا بنسبة 3.2% مع بداية الاجتياح الروسي. بينما شهد سعر البيتكوين تراجعا بنسبة 7.9% إلى 34,324 دولار في اليوم نفسه، لكنه تعافى بقوة بعد أربعة أيام فقط مُسجلاً 38,000 دولار. على النقيض من ذلك، تعافى مؤشر يوروستوكس600 بشكل طفيف قبل أن يشهد تراجعا كبيرا بنهاية الشهر. هذا التفاوت أصبح أكثر وضوحا بعد أن فرض الرئيس الأمريكي حينذاك -جو بايدن- عقوبات على روسيا وأكد أن الولايات المتحدة لن تتدخل بشكل مباشر في الحرب. قدرة البيتكوين على التعافي السريع تعكس ما تتمتع به العُملة المشفرة من مرونة مقارنةً بأسواق الأسهم التقليدية في أثناء الاضطرابات، على الرغم من أن البيتكوين تعتبر من الأصول الخطِرة. ![]()
قوة بيكاسو
يمكن للأعمال الفنية والمقتنيات أن تمثّل وسيلة للتحوّط ضد التضخم وانخفاض قيمة العُملة. كما يمكن لهذه المقتنيات أن تحتفظ بالقيمة وربما تزيد قيمتها، كأصول ملموسة. أيضاً، يمكن للمقتنيات الثمينة والأعمال الفنية الرفيعة، لا سيما المسجَّل منها، أن توفّر سيولة. وفي الأوقات العصيبة، يمكن بيع تلك المقتنيات أو عرضُها في مزادات، وغالبا ما تدرّ عائدات مالية كبيرة. وقد لا تقتصر نظرة هواة اقتناء تلك الأعمال الفنية على أنها مجرد أصول مالية، وإنما يعتبرونها جزءا هاماً من التراث الثقافي. وتعتبر لوحة غرنيكا الجدارية للفنان الإسباني بابلو بيكاسو، مثالا بارزاً على احتفاظ العمل الفني بقيمته في زمن الحرب. ورُسمت لوحة غرنيكا في عام 1937، وقد استوحاها بيكاسو من قصف الطائرات الحربية الألمانية والإيطالية لمنطقة غرنيكا إبان الحرب الأهلية الإسبانية. وتجسّد اللوحة فظائع الحرب ومعاناة الناس، لا سيما المدنيين الأبرياء. ولا تزال لوحة غرنيكا، حتى اليوم، تحتفظ بقيمتها، ولم يتم بيعها حتى الآن لأنها لا تقدر بثمن. |
|
|
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |