|
|
بينما نحلل عالم أعمال إيلون ماسك الملئ بالفرص العظيمة والمخاطر الجمة، ما يجعل الاستثمار معه تجربة مثيرة تنتهي بقفزة إما إلى أعلى أو أسفل، يُصبح الأمر أكثر إثارة لاسيما عندما يتولى أغنى رجل في العالم قيادة مجلس استشاري أُنشئ بموجب أمر تنفيذي من الرئيس دونالد ترامب لخفض النفقات الحكومية. فلدينا رجل الأعمال الناجح والبارع في تسخير الابتكار وقيادة التغيير في السوق من خلال الاستراتيجيات الجريئة لشركاته المختلفة، في موقع الاقتصادي المتمرس والحكومي التقليدي الذي يستند إلى نظريات سياسية واقتصادية راسخة وسوابق تاريخية للاقتصاد الكلي. الرهانات عالية، والآثار المترتبة على فلسفتيهما في الإدارة يمكن أن تشكل مستقبل اقتصاد العالم والسياسة بصفة عامة على نحو غير مسبوق.
من سينتصر في النهاية في صراع العقول والأساليب هذا؟ هل سيكون رائد الأعمال العنيد الذي يتحدى المعايير المعمول بها لعقود طويلة أم الاقتصادي التقليدي الحذر في إدارة الأموال العامة؟
وفي هذا العدد الأسبوعي من أرقام، نُكمل ما بدأناه في نوفمبر. ومحور تحليلنا هنا هو التحديات التي يواجهها إيلون ماسك في ترجمة نجاحه في إدارة شركاته إلى سياسة مالية عامة فعالة. ولا شكّ أن ديناميات العمل داخل المؤسسات الحكومية تختلف بشكل كبير عنها داخل الشركات الخاصة.
⁉️ لماذا ينصرف مستثمرون عن شركات إيلون ماسك؟ يسود الآن اعتقاد بين مستثمرين وحَملة الأسهم مفادُه أنّ إيلون ماسك لم يعُد يركّز على توسيع شركاته الخاصة وتطويرها. ويؤدي انخفاض ثقة المستهلكين غالبا إلى إقبال على البيع، ما يؤثر بالسلب على أسعار الأسهم. ![]()
أداء السهم في شركة تسلا حالياً، على سبيل المثال، هو الأسوأ منذ عام 2020. وسجلت أسهم الشركة انخفاضا بأكثر من 45% في العام الجاري، وبأكثر من 36% في الشهر الماضي. ويمكن للخوف أن يؤثر بشكل كبير على سعر السهم؛ فيبثّ حالة من الذعر بين المستثمرين، ما يدفعهم إلى اتخاذ قرارات متهورة قد تُترجَم إلى عمليات بيع جماعية. وعندما يتسلل الخوف إلى السوق، سواء عبر أخبار سلبية عن انكماش اقتصادي أو غير ذلك من العوامل الخارجية، يتفاعل المستثمرون مع تلك الأخبار، وغالبا ما يقدّمون الحماية قصيرة الأجل على الاستراتيجيات الاستثمارية طويلة الأجل. ![]() ![]() وقد ينتهي الأمر بتقويض أساسيات الشركة؛ فقد ينخفض سعر السهم إلى ما دون قيمته الجوهرية، ما يؤدي إلى اختلال في التوازن. وتصحيح هذا الاختلال قد يستغرق تصحيح هذا الاختلال وقتاً حتى تعود مجدداً ثقة المستهلكين بعد خوف. وليست هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها شركة تسلا، على وجه الخصوص، هذا الوضع - فيما يتعلق بتأثير ثقة المستهلكين على سعر السهم.
وفي مايو 2020، كتب إيلون ماسك عبر منصة إكس (تويتر سابقا) يقول ✍️:
"في رأيي سعر سهم تسلا مرتفع جدا".
هذه التغريدة وجدت صدى فوريا بين المستثمرين. وفسّر كثيرون هذا التصرف من ماسك على أنه إشارة إلى وجود مشكلة محتملة في الشركة، ما أدى إلى انخفاض حاد في سعر سهم تسلا بنحو 10% في يوم واحد. وفي جلسة تداول واحدة، انخفض سعر سهم تسلا من حوالي 800 دولار إلى حوالي 700 دولار. ما يعكس مدى أثر التعبير عبر منصات التواصل الاجتماعي، وما يمكن أن يتسبب به في ردود فعل فورية وكبيرة في السوق. ![]() ومع ذلك، كما هو موضح في الشكل البياني أعلاه، استأنف سهم تسلا الارتفاع في يونيو، كما واصل الارتفاع في يوليو، مسجلاً لفترة وجيزة أعلى مستوى له على الإطلاق في يوم 13 يوليو عند 1,794,99 دولار. وتعليقنا على هذا هو أنه يعكس ظاهرة شائعة في السوق مفادُها أن التصحيح السريع للاستجابات يمكن أن يفتح نقاط جذب لمستثمرين آخرين بمجرد انحسار الذعر الذي كان سائدا قبل هذا التصحيح. علاوة على أن الأساسيات القوية، والمكانة الابتكارية للشركة في سوق السيارات الكهربائية، أسهمت في تعافيها بشكل سريع. ومع ذلك، يجدُر بالمستثمرين أن يراقبوا خلال الأشهر القادمة أرقام مبيعات شركة تسلا، وما إذا كانت ستتوسع أكثر على مستوى العالم. تجدر الإشارة أيضا إلى أن ماسك جمع ثروته من التقنية، والتي يشهد سوقها في الآونة الأخيرة تراجعاً بسبب عوامل عديدة، منها مخاوف المستثمرين بشأن رسوم ترامب الجمركية، ومستقبل الذكاء الاصطناعي، وتراجُع إنفاق المستهلكين. ![]()
وإذا كنت تتابع سوق أسهم شركات التقنية منذ يناير الماضي، فلربما لاحظت أن أسهم شركات التقنية الأمريكية قد تراجعت بشكل كبير. وتراجعت أسعار أسهم شركات مثل نفيديا، ومايكروسوفت، وألفابت (الشركة الأم لجوجل) - مما أدى إلى انخفاض القيمة السوقية لأسهم تلك الشركات بمليارات الدولارات. 🔍 أسلوب ماسك في محاسبة التكاليف ينطلق إيلون ماسك في دوره الحكومي الجديد من خلفية نجاحه الشديد في إدارة الأعمال، ولا سيما فيما يتعلق بمحاسبة التكاليف ومراقبتها. وتتعلق محاسبة التكاليف بإطار العمل اللازم لمراقبة وإدارة الشؤون المالية بفعالية، واتخاذ قرارات مستنيرة، ما يكفُل نجاح الأعمال على المدى الطويل. لكن الأمر بالنسبة لهذا المفهوم التجاري، الناجح في شركة خاصة مثل تسلا، يختلف بطبيعة الحال مع مؤسسة حكومية؛ نظراً لاختلاف المؤسسات الحكومية عن الشركات الخاصة - من حيث الأهداف والهياكل الإدارية وبيئات التشغيل الخاصة. أ. الهدف والغرض: يتمثل الهدف الأساسي لشركة خاصة مثل تسلا في تعظيم الأرباح وقيمة الأسهم. وتؤثر محاسبة التكاليف بشكل مباشر على المحصلة النهائية، مع تركيز شديد على الكفاءة، وخفض التكاليف والعائد على الاستثمار. أما الهدف الأساسي للمؤسسة الحكومية فيتمثل في توفير الخدمات العامة، والبنية التحتية والرفاهية، أكثر مما يتمثل في تحقيق الأرباح. ب. تحقيق الإيرادات: يرتبط تحقيق الإيرادات في الشركات الخاصة ارتباطا مباشرا بكفاءة إدارة التكاليف. فيمكن مثلا لشركة تسلا أن تتحكم في التكاليف لزيادة الأرباح إلى أقصى حد. وتقوم الإدارة بمراقبة عملية المحاسبة عن كثب لضمان الكفاءة التشغيلية. بينما تحصّل الحكومة إيراداتها في المقام الأول من الضرائب ومصادر أخرى غير متذبذبة. ويتعين على الحكومات أن توازن بين أولويات مختلفة قد لا تنتظر منها عوائد مالية فورية، كالبرامج الاجتماعية على سبيل المثال، ما يقلل جدوى محاسبة التكاليف على نحو صارم. ج. حملة الأسهم: حملة الأسهم في الشركات الخاصة هم المستثمرون والعملاء والموظفون في المقام الأول، وجميعهم يتفقون على تعظيم الأرباح والكفاءة. أما حملة الأسهم في الحكومة فهم مجموعة متنوعة، تضم المواطنين ودافعي الضرائب وشركات وكيانات سياسية غالبا ما يكون لديها أهداف وتوقعات متضاربة. وهذا يجعل من عملية محاسبة التكاليف مسألة معقدة؛ حيث يصعب أن يكون هناك دائما مبرر مالي مباشر لجميع النفقات. ![]() إذا نظرنا إلى الشكل البياني أعلاه، سنجد أن إيلون ماسك في إدارته لميزانية وزارة الكفاءة الحكومية الأمريكية يواجه تحدياً ضخما يتمثل في تقليص الدين الفيدرالي الأمريكي الذي يناهز اليوم 36 تريليون دولار. وتختلف إدارة ديون الحكومات بطبيعة الحال عن إدارة ديون الشركات؛ حيث أن الحكومة تستدين عادة لتمويل مشروعات وخدمات عامة تعود بالنفع على المجتمع في عمومه (مثل مشروعات البنية التحتية والتعليم). كما أن الحكومات تتمتع بقدرة أكبر على الوصول لأسواق رأس المال، نظراً لقدرتها على إصدار سندات، والتي غالبا ما تكون أسعار فائدتها أقل من الشركات. هذا فضلاً عن أن الحكومات عادة ما تطبق استراتيجيات مقاومة للتقلّبات؛ فتقوم بتعديل السياسات المالية بناء على الظروف الاقتصادية (ومن ذلك على سبيل المثال، زيادة الإنفاق خلال فترات الركود). بخلاف الشركات، التي قد تبادر في مثل هذه الظروف إلى الخفض الفوري للتكاليف. ![]() في الشكل البياني أعلاه، نلاحظ كيف شهدت ثروة إيلون ماسك زيادة كبيرة منذ انتخاب دونالد ترامب في نوفمبر 2024؛ حيث أن الوعد بتخفيض الضرائب والتعريفات الجمركية على الصين قد عزز ثقة المستثمرين في الصناعات التقنية وصناعة السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة. واستمرت هذه الزيادة في ثروة ماسك، الذي استفادت مشروعاته -خاصة شركة تسلا- من الوضع الاقتصادي القائم، ليشهد صافي ثروات ماسك زيادات جديدة في الأشهر الثالثة التالية لانتخاب ترامب. ولكنّ هذا التفاؤل الذي صاحب بدايات انتخاب ترامب أخذ في التراجع منذ منتصف ديسمبر حتى وقت كتابة هذا التقرير في 17 مارس، لتتخذ ثروة إيلون ماسك منذ ذلك الحين اتجاهاً هبوطيا. وانخفض صافي ثروة إيلون ماسك بمقدار 112 مليار دولار منذ منتصف ديسمبر الماضي، وفقا لأحدث بيانات مؤشر بلومبرج للمليارديرات. ويعتبر هذا تحولا دراماتيكيا عمّا كانت عليه الأوضاع في فبراير؛ عندما بلغ إجمالي ما حققته شركات ماسك من مكاسب منذ انتخاب ترامب وتعيين ماسك في منصب سياسي، 613 مليار دولار. ويتزايد قلق المستثمرين إزاء استراتيجيات ماسك الخاصة بخفض التكاليف، وبشأن تركيزه -الذي أصبح محل تساؤل- على شركاته. وثمة تصوُّر بأن اهتمام ماسك قد تشتت، لا سيما مع انخراطه في مناقشات عامة رفيعة المستوى وفي خلافات عبر منصات التواصل الاجتماعي. هذا بدورٍه أدى إلى مخاوف من أن وجود إيلون ماسك في منصب قيادي ربما لا يكون في مصلحة التوقعات الخاصة بنمو شركاته على المدى البعيد.
🔦 أوجه الاختلاف بين ماسك وأي مسؤول سياسي أو حكومي؟ وفقاً لنظرية السلطة الكاريزمية التي وضعها عالم الاقتصاد السياسي الألماني ماكس فيبر، فإن إيلون ماسك يتمتع بهذا الشكل من القيادة المستمَدّ من الجاذبية الشخصية والسمات الفردية الاستثنائية. هذا الشكل من القيادة التي يتمتع به ماسك لا يتفق مع السلطة التقليدية أو البيروقراطية، والتي تعتمد على قواعد ومعايير راسخة. في حين يعتمد القائد الكاريزمي على تصوُّره للتفرُّد والرؤية الخاصة. وينتهج إيلون ماسك أسلوب اقتصاد المكافآت القائم على المجازفة والاستثمارات التي توجّهها الكاريزما والرؤية الخاصة. وعادة ما يسعى ماسك إلى تحقيق مكاسب سريعة وإلى القيام بعمل اختراقات ابتكارية. ومثل هذه الأعمال تجد صدى عاطفيا في أوساط المجتمع الذي يعيش فيها صاحبها. على النقيض من ذلك يكون المسؤول الحكومي الذي يعمل ضمن إطار عمل منظّم؛ فهو يركز على المساءلة ويهتم بالكفاءة والاستقرار على مدى الطويل، ويعتني بتخصيص الموارد لتلبية الاحتياجات العامة المختلفة. ويزدهر أمثال إيلون ماسك في أوقات عدم اليقين والتقلبات التي تتّسم بها المشروعات الريادية، وهم يستغلون ما لديهم من سمات شخصية متصوَّرة في إلهام العاملين معهم. أما المسؤول الحكومي، فهو يركّز على التخطيط المنهجي وتطبيق اللوائح، عبر نهْج اقتصادي روتيني، بطريقة موضوعية لا علاقة لها بالميول الشخصية. ![]()
هـل يسـرّح ترامـب ماسـك؟ أحد الأركان التي تقوم عليها استراتيجية إيلون ماسك الخاصة بخفض التكاليف يتمثل في تسريح عدد كبير من العُمّال الفيدراليين.
وإذا كان ماسك يستهدف توفير 2 تريليون دولار بشكل مبدئي، فإن عدد العُمال المستهدفين قد يكون بالملايين. ولا شك أن مثل هذا الإجراء ستكون له آثار اجتماعية وسياسية عميقة وربما خطيرة على الولايات المتحدة. وإذا فقد ملايين العُمال الفيدراليين وظائفهم فجأة، فسيعني ذلك ارتفاعا دراماتيكيا في معدل البطالة. وهذا من شأنه التأثير على استقرار الاقتصاد؛ حيث ستفقد آلاف الأُسر مصدر دخلها الرئيسي. وهذا بالتبعية سيؤدي إلى تراجُع حاد في إنفاق المستهلكين. ومن شأن تسريح عدد كبير من العُمال الفيدراليين أن يُعطّل خدمات عامة ضرورية، من بينها خدمات إنفاذ القانون، وخدمات اجتماعية، وصيانة البنية التحتية، فضلاً عن خدمات تنظيمية. ويمكن أن يؤدي تعطيل مثل هذه الخدمات الضرورية إلى أزمات تتعلق بالسلامة العامة. وعلى الصعيد السياسي، فإن فقْد الوظائف على نطاق واسع، وما يستتْبعه ذلك من مشاعر بالضِيق وأزمات اقتصادية، يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى خروج مظاهرات غاضبة. هذه المظاهرات الحاشدة قد تتطور إلى عصيان مدني، وفي هذا السيناريو الفرضي، قد يجد ترامب نفسه مضطراً إلى التضحية بإيلون ماسك، قائلاً له عبارته الشهيرة القديمة:
|
|
|
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |