|
|
تؤثّر الرسوم الجمركية الجديدة المفروضة على المكوّنات الأساسية للسيارات، وعلى السيارات المصنّعة في المكسيك وكندا، أثراً مضاعَفاً. وهذا من شأنه أن يؤثر على ديناميات سوق السيارات في المملكة العربية السعودية. وتأتي الولايات المتحدة في المركز الرابع بين الدول المصدّرة للسيارات في المنطقة، بعد اليابان، وكوريا الجنوبية والصين. وبسبب هذه الرسوم الجمركية، يعاني المصنّعون الأمريكيون من ارتفاع تكاليف الإنتاج، فتمتدّ تداعيات ذلك لتغطي الأسواق الدولية للسيارات، بما في ذلك السعودية – انطلاقاً من ديترويت، مهد صناعة السيارات الأمريكية. وارتفعت تكاليف إنتاج السيارات الأمريكية، بسبب الرسوم الجمركية، بنسبة وصلت إلى 25%، بالإضافة إلى 10% تعريفات على الواردات الصينية. هذه الزيادة كفيلة بأن تدفع مُصنّعي السيارات إلى إعادة النظر في الاستراتيجية ككُلّ على أساس ديناميات العرض والطلب. وعادة ما تتسبب الرسوم الجمركية في زيادة تكلفة المكوّنات والمواد الخام المستوردة من الدول التي تُفرَض عليها الرسوم. هذه الزيادة تؤدي بالتبعيّة إلى زيادة في تكاليف الإنتاج، وهذا كفيل بتقليص هوامش الربح، لا سيما إذا كانت الشركات تصارع بالأساس في سبيل الحفاظ على الربحية، على نحو ما سنوضّح بالأمثلة فيما يلي. وقبل أن نشرع في تحليلنا، نرى أنه من الأهمية بمكان أن نلقي نظرة على ديناميات سوق السيارات في المملكة العربية السعودية حاليا. وستغطّي نظرتُنا هذه عدداً من الجوانب منها، اتجاهات السوق، والشركات الكبرى، وتفضيلات المستهلكين – وهي الجوانب الرئيسية لصناعة السيارات حاليا. ويمثّل فَهْم هذه الجوانب أساساً قوياً يمكن أن نبني عليه في تحليلاتنا المستقبلية.
🔍 نظرة شاملة على سوق السيارات في السعودية شهدت سوق السيارات في السعودية خلال عام 2024 مبيعات بنحو 819 ألف سيارة، في أعلى رقم منذ عام 2015، والذي كان قد شهد بيع 830,100 سيارة وهو الأعلى على الإطلاق. فيما شهد السوق في ديسمبر من عام 2018 أقلّ مبيعات عند 403,857 سيارة. والآن تشهد السوق ارتفاعا في مبيعات السيارات الخفيفة بنسبة 7.8%، حيث تهيمن شركة تويوتا اليابانية على المشهد بحصولها على خمسة مراكز من إجمالي العشرة الأكثر مبيعاً. وبعد تويوتا، تأتي شركة هيونداي في المركز الثاني، والتي سجلت زيادة في المبيعات بنسبة 6.7% مقارنة بالعام الماضي. وفي المركز الثالث جاءت شركة كِيا، مسجلةً زيادة في المبيعات بنسبة 26.6%، ثم شركة نيسان، بانخفاض بلغت نسبته 0.1%، ثم شركة فورد بارتفاع بلغت نسبته 16.4%، ثم شركة سوزوكي بارتفاع بلغت نسبته 46.6%. بشكل عام، شهدت السوق السعودية للسيارات ارتفاعاً بنسبة 7.8% مقارنة بالعام السابق. وفي ديسمبر من عام 2023، سجلت السوق السعودية مبيعات سيارات بلغ عددها 758,791 سيارة، فيما بلغ عدد المبيعات 616,491 في العام السابق لذلك. واستوردت السعودية أكثر من مليون مركبة في عام 2024، بقيمة تجاوزت 83 مليار ريال سعودي (22 مليار دولار)، ما يضع سوق المملكة للسيارات بين أعلى 20 سوقاً من نوعها في العالم. ![]()
❓ وماذا عن عدد مصانع السيارات في المملكة العربية السعودية؟ خلال الفترة ما بين الرُبع الأول من عام 2019 والربع الأول من عام 2023، زاد عدد مصانع السيارات في السعودية من 154 إلى 161 مصنعاً.
وبلغ هذا العدد ذروته في الربع الثاني من عام 2022، عند 170 مصنعاً. هذا النمو يشير إلى توسّع في الطاقة التصنيعية للسيارات في المملكة، مدفوعاً على الأرجح بزيادة الطلب من المستهلكين، كما يشير إلى تعافٍ من اضطرابات سابقة كانت قد أصابت سلسلة التوريد. وكما هو موضّح في الشكل أدناه، فإن الذروة التي بلغها عدد مصانع السيارات في السعودية خلال الربع الثاني من عام 2022 يمكن ربْطها بزيادة الطلب على السيارات بعد تعافي الاقتصاد من وباء كوفيد-19، ما شجّع المُصنّعين على زيادة الإنتاج لتلبية طلبات المستهلكين، ومع وصول السوق إلى مرحلة النضج، عدّل المصنّعون استراتيجياتهم الإنتاجية بالتركيز أكثر على السيارات الكهربائية والخيارات المستدامة. هذا التحوّل ربما قاد إلى إعادة تخصيص الموارد، أكثر مما قاد إلى زيادة عدد المصانع. وتقدّر سوق السيارات الكهربائية في المملكة العربية السعودية بنحو 700 مليون دولار في 2025، ومن المتوقع أن تصل إلى 2.09 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نموّ سنوي مركّب عند 24.5% خلال فترة التوقّع (أي من 2025 إلى 2030).
🔦 إعادة تقييم سلسلة التوريد يُنظر عادة إلى السيارات الأمريكية على أنها ممتازة، ولكنْ إذا أصبحت هذه السيارات باهظة الثمن بسبب الرسوم الجمركية وتكاليف الإنتاج، فقد يضطر المستهلكون المحليون إلى البحث عن بديل يكون في متناوَل أيديهم. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تراجُع الطلب على السيارات الأمريكية الصُنع، ما يؤثر بدورِه على مبيعات شركات مثل فورد وجنرال موتورز في المملكة العربية السعودية. ووفقاً لتقارير إعلامية أمريكية، تستشهد بأقوال خبراء اقتصاديين، فإن رسوم ترامب الجمركية الأوّلية على السلع الواردة من كندا والمكسيك كفيلة بزيادة تكاليف السيارات بنحو 12,200 دولار لبعض الطرازات. وتناهز تكلفة السيارة العادية الآن 50 ألف دولار – قريباً من أعلى مستوى على الإطلاق. وهكذا، فإن زيادة التكلفة الناجمة عن الرسوم الجمركية يمكن أن تؤدي إلى خسارة محتملة في المبيعات لدى مُصنّعي السيارات المحليين. وفي ظل ذلك، وبحثاً عن بدائل أرخص، قد يضطر المستهلكون للتحوّل إلى سوق السيارات المستعملة، أو إلى البحث عن سيارات تمّ تجميعها في اليابان والصين، على سبيل المثال.
🇸🇦 الاستثمار في التصنيع المحلي ومن أجل مجابهة آثار الرسوم الجمركية، ولضمان التحكّم بشكل أفضل في تكاليف سلاسل التوريد، قد تلجأ الشركات الأمريكية إلى التركيز على الاستثمار في المصانع بالمملكة العربية السعودية، على غرار ما فعلتْ شركة هيونداي الكورية الجنوبية. من شأن هذا التوجّه أن يساهم في تعزيز وجود العلامة التجارية في السوق المحلية؛ حيث سيترجَم إلى سلسلة توريد أكثر موثوقية، وإلى توفير المنتَج بشكل أفضل. وتقدّم السوق السعودية إمكانات هائلة لشركات تصنيع السيارات الأمريكية الراغبة في تدشين مصانع لها واستهداف المستهلكين المحليين، نظراً لما تمتلكه هذه السوق من عوامل جذب عديدة. وتنعم المملكة العربية السعودية بمعدّل سُكاني متنامي، وبمستويات دخول مرتفعة متاحة للإنفاق – ما يجعل الطلب على امتلاك سيارات في ارتفاع. وكما هو موضّح في الشكل أدناه، فإن عدد مصانع السيارات الموجود حاليا يمثل 1.6% من العدد الإجمالي للمصانع في السعودية (حوالي 10 آلاف مصنع حتى الرُبع الرابع من عام 2023). هذه النسبة تشير إلى أن قطاع تصنيع السيارات لا يزال صغيراً نسبياً؛ وعليه فإنّ هناك مُتّسعاً أمام هذه القطاع لكي يشهد نمواً.
وبدايةً من تدشين أول علامة تجارية سعودية لصناعة السيارات الكهربائية، سير، ووصولاً إلى دعم الأكاديمية الوطنية للسيارات والمركبات، نافا، فإن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يضخّ استثمارته في جميع أرجاء منظومة السيارات والنقل - لبناء قطاع محليّ مستدام من الألف إلى الياء، وفقاً لتقرير صادر عن الصندوق في مايو 2024. ويعني ذلك أنّ صناعة السيارات يمكن أن تكون بمثابة حافز لمزيد من التنمية الصناعية في المملكة. ومن شأن تعزيز هذا القطاع، أن يسهم في تطوير صناعات تكميلية؛ كتصنيع قطع الغيار اللوجستية، ما يعظّم الأثر الاقتصادي بشكل عام. وقد يفتح ذلك الطريق إلى ظهور مورّدين محليين ومصنّعين يوفرّون كل شيء بدءاً من المحرّكات ووصولاً إلى قطع الغيار الصغيرة كالأسلاك والمثبّتات. ولن يُسهم ذلك في توفير فُرص عمل فحسب، وإنما سيشجّع كذلك على تصنيع التقنيات المتقدمة وعلى الابتكار. أيضاً، من شأن تدشين مصانع تجميع محلية أن يُسهم في خفض تكاليف الشحن ورسوم الاستيراد، ما يجعل أسعار السيارات في نهاية المطاف في المتناول. ![]() وهذا كله يتوافق مع رؤية السعودية 2030، والتي تشجّع على التصنيع المحلي وتنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على النفط.
📉 تآكُل هوامش الربح
إن أثر ارتفاع تكاليف الإنتاج على هوامش الربح من مبيعات السيارات الأمريكية بعد فرض الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا، هو أثرٌ متعدّد الأوجه؛ لا سيما في ضوء الطبيعة المترابطة لسلاسل توريد السيارات في أمريكا الشمالية. لكن المُهمّ هنا هو إذا ما قررت شركات السيارات ألّا تُحمّل كل هذه التكاليف على المستهلكين، حفاظاً على التنافسية. عندئذٍ ستتراجع أرباح هذه الشركات، ما سيؤثر بدوره على الأداء المالي لها. ![]() ولمزيد من التوضيح، سنأخذ شركة فورد كمثال؛ معظم مكونات سيارات فورد، كالمحركات والناقلات، تُستورد من المكسيك وكندا. وإذا ما تمّ تجميع سيارة فورد في ولاية ميشيغان الأمريكية، فإنّ كلّ مرّة يعبُر فيها أحدُ مكونات السيارة للحدود بين الولايات المتحدة من جهة وكندا والمكسيك من جهة أخرى – تعني تحمُّل رسوم إضافية في ظِلّ تعريفات الرئيس دونالد ترامب الجديدة، ما يُسهم في الزيادة الإجمالية لتكاليف الإنتاج. وفي عام 2024، وقبل رسوم ترامب الجديدة، تكبّدت شركات تصنيع سيارات أمريكية عريقة مثل جيب، ودودج، وكرايسلر ورام خسائر فادحة في الأرباح ناهزت 70 في المئة – ما يجعل التوقعات قاتمة على نحو متزايد. فالأسعار الباهظة للعديد من الطرازات تخيف المُشترين. جيب واجونير، على سبيل المثال، يبدأ سعرها من 59 ألف دولار، فيما يصل أحيانا إلى 114 ألف دولار. ![]() ولنلقِ نظرة سريعة على آخر تقرير لأرباح شركة ستيلانتس - الشركة الأم لـ جيب. وشركة ستيلانتس متعددة الجنسيات، وهي ناتج دمْج شركتَي "فيات كرايسلر أوتوموبيل" و"مجموعة بيه إس أيه". وتنشر الشركة تقاريرها المالية مقدّرة باليورو. وأشار تقرير الشركة الخاص بأرباح عام 2024، إلى تراجُع حاد في صافي الأرباح عند 5.5 مليار يورو، نزولاً من 18.3 مليار يورو، مع تراجع بنسبة 17% في صافي الإيرادات عند 156.9 مليار يورو، نزولاً من 189.6 مليار يورو. وجاء هامش الربح عند 3.49%، والذي يعتبر دون المعدل (10% أو أعلى). ويدلّ هامش الربح الأخير للشركة على أنها تحقق أرباحا، ولكنه يثير تساؤلات بشأن الكفاءات التشغيلية أو تقليص التكاليف لزيادة الربحية. وستمثل هذه الأسئلة تحديات بعد رسوم ترامب الجديدة. هذه الأرقام أثارت مخاوف بشأن قدرة الشركة على إدارة التكاليف والحفاظ على الربحية في ظل بيئة اقتصادية صعبة بعد قرار ترامب فرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا. وقد أفرزت هذه البيئة الاقتصادية مشاعر سلبية بين المستثمرين، كما زادت الضغط على سعر السهم، كما هو موضح في الشكل أدناه: ![]() ويشير الشكل الذي أمامنا إلى تراجُع سِعر سهم شركة ستيلانتس من 29.49 يورو إلى 12.71 يورو خلال 11 شهراً، بما يعكس انخفاضا كبيراً بنسبة تناهز 56.9%. وعليه، وفي ظلّ الصراع القائم من أجل تحقيق الربح، فإنّ أي عبء ماليّ إضافي تجلبه الرسوم الجمركية يمكن أن يُفاقم المشكلة، لا سيما على صعيد التنافسية القائمة بين شركات تصنيع السيارات حول العالم. ويمكن للشركات المنافسة أنْ تحصل على قطع غيار دون أن تضطر إلى مواجهة تحديات جمركية شبيهة. فعلامات تجارية مثل هيونداي وكِيا، والتي قد يكون لديها مفهوم مختلف لاستراتيجيات سلسلة التوريد وربما مرونة أكبر، يمكنها أن تستثمر في معضلة رسوم ترامب الجمركية من أجل جذْب المستهلكين الباحثين عن بدائل أرخص ثمناً. |
|
|
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |