|
|
بالنسبة للعديد من الكنديين، يُعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متنمرا كبيرا. فتشير أحدث استطلاعات الرأي، إلى أن غالبية الشعب الكندي ينظر إلى إجراءاته المتمثلة في فرض رسوم جمركية تجارية متصاعدة على بلادهم على أنه أسلوب عدواني، مما دفعهم إلى الالتفاف حول هويتهم الوطنية ودعم سياسييهم - بمختلف أطيافهم، ليبراليون كانوا أم محافظون - في تبني موقف حمائي قوي. بدأ رئيس الوزراء المستقيل جاستن ترودو وسلفه مارك كارني بالفعل في تنفيذ تهديداتهم، إسوة بتهديدات ترامب متخذين تدابير انتقامية فورية مثل فرض رسوم جمركية على الصادرات الأمريكية، ليس لحماية الوظائف والصناعات الكندية فحسب، ولكن الأهم من ذلك حماية العمود الفقري المالي للبلاد: البنوك. ![]() وقد أدركت أرقام ويك إند الحاجة إلى الخوض في النظام المالي الكندي حيث لا بد أن العديد من قرائنا يشعرون بالفضول وربما الحيرة بسبب الحرب التجارية المتصاعدة التي شنها ترامب ضد عدة دول، وعلى رأسها الصين وكندا والمكسيك. وقد اخترنا أن نركز على كندا في هذا العدد. ومن ثم، قررنا أن نسلط الضوء على تحليل اقتصادي نُشر في موقع فيدلتي حول القطاع المصرفي في البلاد. وهناك بالفعل بعض الأسئلة الوجيهة حول النظام المالي الكندي وعلى رأسها: • هل سيصمد النظام القوي في وجه الحرب التجارية غير المسبوقة، بالنظر إلى حقيقة أن كندا لديها اقتصاد مترابط للغاية مع الولايات المتحدة؟ • ثم ما هي الاستراتيجيات المحددة التي تستخدمها البنوك الكندية للتخفيف من المخاطر المرتبطة بتعريفات ترامب والإجراءات الانتقامية من الحكومة الكندية؟ • وكيف تعزز الأطر التنظيمية التي تحكم البنوك الكندية قدرتها على تحمل الضغوط الاقتصادية الخارجية مقارنة بنظيراتها الأمريكية؟ • وأخيرًا، كيف يمكن للدروس المستفادة من إدارة الأزمات الاقتصادية السابقة أن تساعد البنوك الكندية في الاستعداد والاستجابة للتحديات الفريدة التي تفرضها حرب ترامب التجارية؟ الشيء المؤكد هو أن الحفاظ على الاستقرار المالي في هذه البيئة المتقلبة في ظل ترامب الذي لا يمكن التنبؤ به سيكون أمرًا حاسمًا بالنسبة لكندا وبنوكها على وجه الخصوص للحفاظ على سمعتها كبنوك قوية ومرنة. ![]()
لماذا يعتبر النظام المصرفي الكندي عالميّ المستوى؟ لقد أنشئت البنوك في كندا من أجل أن تبقى. وقد واجهتْ بنوك في دول عديدة إفلاسات غير متوقعة في ظل الضغوط، أمّا البنوك الكندية فقد صمدتْ في وجه التحديات. وبالفعل، صمد القطاع المصرفي الكندي في وجه الأزمة المالية عام 2008. وبشهادات عديدة، لم يقتصر الأمر على الخروج من الأزمة بسلام، بل إن البنوك الكندية خرجت من تلك الأزمة وهي أقوى مما كانت عليه قبلها. ففي أحلك أيام عام 2008، لم يُفلس أيّ من البنوك الكندية، ولم يطلب أي منها إنقاذاً. وبينما كانت البنوك تنهار جنوب الحدود الكندية (في الولايات المتحدة)، أعلن المنتدى الاقتصادي العالمي أن النظام المصرفي الكندي هو الأقوى في العالم، متقدماً على نظرائه في السويد، ولوكسمبورج، وأستراليا والدنمارك.
ومنذ عام 2001، شهدت الولايات المتحدة إفلاس 564 بنكاً. وفي غضون هذه الفترة نفسها، لم تشهد كندا إفلاس أيّ من بنوكها. على أنّ المرة الأخيرة التي أفلس فيها بنك كندي، كانت قبل 27 عاما، عندما اضطرت شركة سيكيوريتي هوم للرهن العقاري في مدينة كالجاري أن تغلق أبوابها، وكان ذلك في عام 1996. ![]()
هل البنوك الكندية آمنة؟ لعلّ أحد أسباب قوة النظام المالي الكندي هو أن الدولة حرصت منذ البداية على نظام يدعم عدداً صغيرا نسبياً من البنوك الوطنية جيّدة التنظيم والتمويل ومتعددة الفروع. ولا يزيد عدد البنوك في كندا على 80 بنكاً، منها ستة بنوك كبرى هي: بنك مونتريال، ورويال بنك أوف كندا (البنك الملكي الكندي)، وبنك أوف نوفا سكوتيا، وتي دي بنك، وسي آي بي سي (بنك التجارة الإمبراطوري الكندي) والبنك الوطني الكندي – وهذه البنوك الستة الكبرى تحتفظ بـ 90% من إجمالي الودائع في البلاد. هذه الطبيعة للبنوك في كندا، تُسهّل على المنظّم المصرفي الكندي (OSFI) عملية متابعة سير عمليات هذه البنوك. ويأتي الأمان والسلامة على رأس أولويات اللوائح التي تحكُم عمل المنظّم المصرفي الكندي، وهو ما يشجّع البنوك الكندية على سلوك نهْج محافظٍ نسبياً، مبتعدةً عن المخاطر غير الضرورية. ورغم هذه الطبيعة المكثفة للبنوك الكندية، إلا أنها متنوّعة؛ فتقدّم خدمات تغطّي إدارة الثروات وخدمات الوساطة وصولاً إلى خدمات التأمين والودائع والقروض. وإذا واجه أيّ قطاعٍ مشكلة ما، فإن النظام بالكامل يتأهّب للمساعدة. ونظراً لأن البنوك الستة الكبرى تهيمن على القطاع، فإن بإمكانها الحصول على ما تحتاجه من تدفق نقدي صحيّ، بما يحوْل بينها وبين الإفلاس أو يقلّص احتمالات الإفلاس، كما ينفي الحاجة إلى اللجوء لممارسات ذات مخاطر عالية. ![]() وإذا حدث وأفلس أحد البنوك، وهو احتمال بعيد، فإن المؤسسة الكندية للتأمين على الودائع موجودة لضمان حماية الودائع المؤهّلة التي تناهز قيمتها حتى 100 ألف دولار لكل حساب لدى البنوك التي تمتلك عضوية في هذه المؤسسة. (وكل البنوك الرئيسية تمتلك عضوية في المؤسسة الكندية للتأمين على الودائع).
ونعني بـ"الوديعة المؤهّلة":، تلك الوديعة النقدية التي يتم إيداعها في حساب بنكي ويتم سدادها في تاريخ الاستحقاق المقرَّر أو قبله. وتم تدشين المؤسسة الكندية للتأمين على الودائع بقرار من البرلمان في عام 1967، ومنذ ذلك الحين، تدخّلت هذه المؤسسة لحماية أكثر من مليونَي موْدع من 43 حالة إفلاس مصرفي. وبفضل هذه المؤسسة، لم يخسر الكنديون دولاراً واحداً من الودائع المؤمَّن عليها.
💡 قصة دولتين
بخلاف الحال في كندا، تعاني دولة الجوار الجنوبي (الولايات المتحدة) نُظُماً مصرفية هي الأكثر تفكُّكاً في العالم. فعلى مدار تاريخها أو في معظمه، كانت الحكومات تضع قيوداً تمنع البنوك من فتح فروع لها خارج حدود الولاية – وفي كثير من الأحيان داخل الولاية نفسها. ونتيجة لتلك السياسة، تضم الولايات المتحدة في الوقت الراهن آلاف البنوك التي يحكمها عدد كبير من الهيئات التنظيمية المختلفة باختلاف مواثيقها. هذا العدد الهائل من البنوك، يترك كل بنك مضطراً إلى انتهاج سياسات محفوفة بالمخاطر من أجل تمييز نفسه عن غيره من البنوك المنافسة. وفي ظل ذلك، يصعُب على الهيئات التنظيمية أن تقف على طبيعة سَير العمليات في هذه البنوك من أجل تأمين حماية مصالح العملاء. وكان عدد البنوك في ذروته، قبل نحو مائة عام؛ حيث كانت الولايات المتحدة تضم حوالي 31 ألف بنك - أو بنك لكل بلدة صغيرة في البلاد. وفي حال اقتصار قدرة البنوك الإقليمية على تقديم خدمات للمناطق الصغيرة، فإن هذه البنوك تصبح عُرضة للإفلاس أكثر من البنوك الكبيرة والوطنية غير المقيّدة باقتصاد واحد. أيضاً، النظام المصرفي الكندي يقدّم مستوى من الفصل في الصلاحيات غير موجود في الولايات المتحدة التي يجمع البنك المركزي فيها بصلاحيات إدارة الاقتصاد وتنظيم الصناعة المالية. ![]() أمّا في كندا، فإن بنك كندا يضطلع بالسياسة النقدية فقط، ويترك مهمة تنفيذ اللوائح المصرفية ليدٍ أمينة هي المنظِّم المصرفي الكندي (OSFI). وفي ظلّ عددٍ أقلّ من البنوك لمراقبتها، وفي ظل فصْلٍ واضح بين الصلاحيات، تكون مهمة الإشراف على البنوك أسهل بكثير. ![]() الخلاصة
إن السُمعة التي تتمتع بها كندا من حيث استقرار النظام المالي هي سُمعة مستحَقة عن جدارة؛ ويحقّ للكنديين أينما كانوا أن يشعروا بالأمان المالي بل وبالفخر، أياً كان ما يُخبئه المستقبل. فالبنوك الستة الكبرى في كندا تزخر بالسيولة وبالقدرة على إدارة المخاطر الائتمانية، على نحو يتركها مؤهلة لمجابهة أي شكل من أشكال عدم اليقين التي يمكن أن تعصف بغيرها من البنوك. إن المؤسسات المالية الكندية تقدّم الاستقرار على التجريب، وتقدم الموثوقية على المخاطرة، ما يؤهلها لكي تبقى ملاذا آمناً في فترات الاضطراب، وبما يؤمّن للكنديين سماءً صافية بعد أي عاصفة. |
|
|
|
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |