|
|
أُعلن في هذا الشهر عن خطة لإنتاج حواسيب لينوفو، في السعودية، فرأينا في هذا العدد الأسبوعي من "أرقام ويك اند" أن نلقي الضوء على أهمية تدشين شركة تصنيع أجنبية في المملكة مصنعها، وأثر ذلك على موقع المملكة على خريطة ما يعرف بـ سلاسل القيمة العالمية . ويُقصد بسلاسل القيمة العالمية مراحل تطور المنتج من كونه مجرد فكرة إلى طرحه في الأسواق، إذ يمر المنتج بمراحل الإنتاج المختلفة، لا سيما مرحلتين: المرحلة الأولية والتي تشمل تصنيع أو استيراد المواد الخام وحتى المرحلة النهائية التي تشمل التجميع والتصنيع؛ فضلا عن إدارة الشركات لهذه الشبكة المعقدة، التي قد تشمل دول مختلفة للوصول إلى المنتج النهائي، مع تحقيق أقصى قدر ممكن من الكفاءة والربحية.
ℹ️ ما معنى ذلك؟ معناه أن السعودية، استراتيجياً، بدأت تجد مكانها على صعيد جذب شركات التقنية العالمية لتصنيع منتجاتها في كافة مراحلها للوصول إلى المنتج النهائي. لذا فإن تدشين مثل هذا المصنع الأجنبي الضخم كفيل بأن يشجّع على تطوير المورّدين المحليين الذين سيشاركون في توفير المواد الخام والمكونات والخدمات. وهذا بدوره كفيل بتشجيع المنظومة التصنيعية داخل المملكة على زيادة الاستعانة بالمصادر المحلية وتعزيز النشاط الاقتصادي. وإلى ذلك، فإن توطين صناعة منتجات لينوفو بالسعودية، يعني أيضا أن عملاق التقنية الصينية ستستثمر في البنية التحتية، والتدريب، والتوظيف بما يفيد قطاع العمل داخل المملكة. وسيقام مصنع لينوفو الجديد على مساحة 200 ألف متر مربع في منطقة الرياض المتكاملة التي تديرها شركة المنطقة اللوجستية المتكاملة الخاصة، باستثمار تناهز قيمته 2 مليار دولار. ![]() ويأتي ذلك بالشراكة مع آلات، إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة، والتي تعزِّز مستوى الابتكار وقدرات التصنيع في العديد من قطاعات الأعمال الرئيسية، والتي تشمل: أشباه الموصلات، والأجهزة الذكية، والمباني الذكية، والأجهزة المنزلية الذكية، والتحول الكهربائي، والصناعات المتقدمة والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي. ![]() وبالتوجّه إلى توطين الإنتاج، تستهدف السعودية بناء اقتصاد أكثر مرونة يستطيع التعايش مع الاضطرابات الدولية، وتدشين بيئة تصنيعية أكثر استقرارا. كما أن توطين سلاسل توريد استراتيجية في السعودية وحيازة حصة سوقية في مكونات سلاسل التوريد يعتبر هدفاً استراتيجيا لدى وزارة الاقتصاد والتخطيط بالمملكة، وفقاً لتقرير أصدرته حديثا. وتجدر هنا أيضا الإشارة إلى ما كشفه وباء كوفيد-19، وكذلك التوترات الجيوسياسية، من نقاط ضعف في سلاسل القيمة العالمية.
📉
تنامي عدد المصانع الأجنبية
على مدى السنوات الماضية، اتخذت السعودية خطوات عديدة لجذب الاستثمار الأجنبي، بما في ذلك إصدار تأشيرات للمستثمرين خصيصاً، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة بمعدلات ضريبية منخفضة. أيضاً، تراخيص المستثمرين الأجانب سيتم الاستعاضة عنها بإجراءات تسجيل مبسّطة، كما ستفتح مراكز خدمية أبوابها خصيصاً لتقديم المساعدة في تسريع عَجلة الاستثمار بالسعودية. وزاد العدد الإجمالي لشركات التصنيع في السعودية إلى 11,549 في الربع الرابع في عام 2023، مقارنة بـ 10,518 في نفس الفترة عام 2022، بمعدل نمو 9.7%. وزاد عدد شركات التصنيع الأجنبية في السعودية من 622 إلى 1,067 شركة في 2024، بمعدل نمو 71.5% مقارنة بـ 2023، كما نما حجم رأس المال المستثمَر في هذا القطاع من 43 إلى 93 مليار ريال سعودي، بمعدل نمو 116.2%. وتصدّرَ قطاع التصنيع كلّ القطاعات على صعيد توفير وظائف للسعوديين خلال الفترة من أول يناير 2023 وحتى 31 مارس 2024؛ حيث زاد عددها بنسبة 59% بزيادة 82 ألف وظيفة. ونصّ قانون الاستثمار المحدَّث على تعزيز حقوق المستثمرين بضمان سيادة القانون، والمعاملة العادلة، وحرية تحويل الأموال دونما إرجاء.
وينصّ القانون على الاستعاضة عن الحصول على رخصة استثمارية أجنبية بإجراءات تسجيل مبسّطة تديرها وزارة الاستثمار. ![]() درس مستفاد من التجربة الإندونيسية مع أبل
تُعدّ إندونيسيا أكبر اقتصاد في منطقة جنوب شرق آسيا، وقد دخلت الدولة في نزاع مع أبل منذ أن حظرت بيع آيفون 16 في البلاد في أكتوبر الماضي، قائلة إن الشركة فشلت في الالتزام بمتطلبات التصنيع المحلية على صعيد الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية. وتصرّ إندونيسيا على أن يشتمل المنتج الجديد لشركة أبل على مكوّنات مصنّعة محليا بنسبة لا تقل عن 40%. وأفادت تسريبات صحفية عديدة بأن إندونيسيا رفضت رفع الحظر عن آيفون16 حتى بعد أن عرضتْ أبل زيادة استثماراتها في البلاد بقيَم بدأتْها الشركة بعشرة ملايين دولار، ثم رفعتها إلى 100 مليون دولار، حتى وصلت في آخر عرض إلى مليار دولار.
فهل سلكت إندونيسيا الطريق الخطأ وهل كان عليها تخفيف القيود التي تضعها على الاستثمارات الأجنبية؟ في تقديرنا، غامرت إندونيسيا بخسارة استثمار ضخم مع عملاق تقنية مثل شركة أبل، في ظل منافسة محتدمة يشهدها هذا القطاع في آسيا، حيث يمكن للشركة أن تتجه للاستثمار في بلد آخر يضع قيوداً أقلّ على الاستثمار الأجنبي. لا سيما وأن شركة أبل تواجه بالأساس منافسة شرسة من جانب شركات مناظرة لها في الصين وكوريا الجنوبية. وبحسب وكالة بلومبرغ للأنباء، فإن أربعة أخماس شركات تصنيع الهواتف الذكية الكبرى في إندونيسيا هي شركات صينية، فيما الخُمس الباقي تمثّله شركة سامسونج الكورية الجنوبية. وفي الربع الثالث من العام الماضي، مثّلت أبل نسبة 1% فقط من سوق الهواتف الذكية في إندونيسيا، بحسب بيانات حصلت عليها وكالة بلومبرج للأنباء من شركة كاناليس للأبحاث. أما نسبة 80% من سوق الهواتف الذكية في إندونيسيا فقد سيطرت عليها هواتف تقل تكلفتها عن 200 دولار، وهي أقل بكثير من أسعار هواتف أبل. ووفقا لاستطلاع رأي حديث، يقول 70% من الإندونيسيين إنهم يفضلون الوقوف إلى جانب الصين في مواجهة الولايات المتحدة إذا ما اضطروا إلى الاختيار بين الجبهتين في حرب التعريفات الجمركية الآخذة في الاحتداد في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. واستطاعت شركات عديدة الالتزام بقواعد الإنتاج المحلية الإندونيسية عبر سلوك الطريق الأسهل المتمثل في الاستثمار المباشر الذي يركّز على المراحل الأولى من سلسلة التصنيع؛ فجلبت بعض هذه الشركات أجزاء مثل: عبوات التغليف، وكابلات الشحن، وسماعات الرأس وغيرها من الإكسسوارات إلى إندونيسيا.
لكن ذلك يعيدنا إلى بيت القصيد في تحليلنا، والمتمثل في أن العبرة تكمن في تصنيع المراحل النهائية المهمة من المنتَج الأجنبي، إن لم يكن المنتج بأكمله كما هي الحال في لينوفو، في البلد الجاذب للاستثمار. |
|
|
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |