|
|
قامت هيئة السوق المالية بالمملكة العربية السعودية، في عام 2022، بتغيير اللوائح التنظيمية الخاصة ببناء سِجِلّ الأوامر والنطاقات السعرية في الاكتتابات العامة الأولية. وهذه الخطوة جاءت للتأكيد على أهمية التحقّق من الملاءمة المالية للجهات المشارِكة ومتعهدي التغطية وقدرتهم على دفع القيمة المطلوبة للأسهم في طلبات المشاركة في المزايدات عند تخصيصها لهم. الخطوة أيضا تعتبر أساسية لضمان أنّ بناء سجل الأوامر والنطاق السعري يعكسان طلباً حقيقيا، وأنها ليست مبالغاً فيها أو متضخمة بفعل القروض او متعهدي التغطية. ![]()
وطبقا لبيانات بلومبيرغ، فإن هذا التدخل من جانب هيئة السوق المالية جاء بعد أن تلقت اكتتابات عامة أوليّة عديدة في سنة 2021 مستويات طلب هائلة، ومن ذلك 300 مليار دولار لشراء شركة أكوا باور، و126 مليار دولار طرحها مستثمرون مقابل شركة سلوشنز للاتصالات. وشهدت السوق المالية السعودية (تداول) 14 اكتتابا عاما أوليا إلى وقت كتابة هذا التقرير، وجمعت السوق السعودية 12.3 مليار ريال سعودي من تلك الاكتتابات.
وفي هذا العدد من أرقام ويك اند، نناقش بعمق ظاهرة التضخم في الطلب أثناء الاكتتابات العامة الأولية، وهي ظاهرة عالمية، ونجيب عن الأسئلة التالية:
لماذا يعتبر تنظيم الطلب أمراً ضروريا في الاكتتابات العامة الأولية؟ ما الأسباب الرئيسية وراء طلب قد لا يعكس اهتماماً حقيقيا بالشركة في عملية اكتتاب عام أوليّ؟ ما أبرز الأمثلة على اكتتابات عامة أولية في الأسواق المالية بالولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والهند والصين، لشركات كبرى عجزت عن تحقيق رأس المال المطلوب أو انخفضت أسعار أسهمها بحدة لاحقا بعد تغطية الطرح الأولي؟ ولماذا يلعب بناء سِجِلّ الأوامر قبل الاكتتاب العام الأولي دوراً هاماً في نجاح العملية التي تعكس طلبا حقيقيا؟
🔦
الأسباب الرئيسية وراء طلب لا يعكس اهتماما حقيقيا في اكتتاب عام أوليّ التأثر بالقرارات الجماعية: ربما يتأثر المستثمر بالقرارات الجماعية دون التفكير أو التخطيط أو البحث لاتخاذ قرار مناسب. وعندما يُبدي عدد كبير من المستثمرين اهتماما باكتتاب عام أوليّ، قد يشعر مستثمرون آخرون وكأنهم مضطرون إلى اللحاق بهم، بما يخلق إيهاماً بأن هناك ارتفاعا في الطلب. هذا السلوك قد تُضخِّمه التغطية الإعلامية الصاخبة، ما قد ينتج عنه في المحصّلة ارتفاع في الطلب بشكل مبالغ فيه دون أن يكون هناك في المقابل ارتفاع حقيقي في الاهتمام بعملية الشراء من قبل المستثمرين. التفاؤل المفرط: عادة ما يكتنف الاكتتابات العامة الأولية الجديدة شعورٌ عام بالتفاؤل المفرط. هذا الشعور يكون مدفوعًا بإمكانية تحقيق عوائد مرتفعة. وقد تنطوي عملية الاستثمار في شركة عامة حديثة على شيء من الإثارة التي تجذب مستثمرين يأملون أنْ تتفوق هذه الشركة على الشركات الموجودة. هذا التفاؤل بدورِه قد يؤدي إلى توقعات مبالَغ فيها بشأن أداء الشركة في المستقبل. النُدرة والحصرية: يُنظر إلى الاكتتابات العامة الأولية على أنها فرص استثمارية حصرية ونادرة. ويمكن أن تؤدي نُدرة الأسهم إلى خلق شعور بالإلحاح بين المستثمرين، ما يؤدي بدورِه إلى ارتفاع الطلب. ويمكن لهذه الندرة أن تؤدي إلى زيادة الاهتمام بين المستثمرين وارتفاع مستوى المزايدة على الأسهم، حتى لو لم يكن هناك مبرر واقعي لهذا الحماس الذي يبديه المستثمرون. الضجة الإعلامية والتسويق: يمكن لجهود التسويق المحيطة بالاكتتاب العام الأولي أن تؤثر بشكل كبير على تصوّر المستثمرين. وغالباً ما تسلطّ التغطية الإعلامية الضوء على إمكانية النمو السريع والنجاح، ما قد يخلق ضجة تجذب بدورها المزيد من المستثمرين. ويمكن أن تؤدي هذه الضجة إلى تفاوت بين القيمة الحقيقية للشركة والسعر الذي يُبدي المستثمرون استعدادا لدفعه. ظاهرة التسعير المنخفض: يجري تسعير العديد من الاكتتابات العامة الأولية بأقلّ من قيمتها الحقيقية، عن عمد، وذلك لضمان نجاح الطرح الأوّلي وخلق زخم إيجابي في اليوم الأول من التداول. هذا التسعير المنخفض يمكن بدورِه أن يؤدي إلى تحقيق عوائد كبيرة في اليوم الأول، ما يجذب المزيد من المستثمرين الذين يرغبون في الاستفادة من الارتفاع الأولي في سعر السهم، مما يزيد من تضخّم الطلب. ![]()
🔝 أهمية بناء سِجِلّ الأوامر قبل الاكتتاب العام الأولي
جمع المعلومات: في أثناء مرحلة بناء سِجلّ الأوامر للاكتتاب، يقوم الضامنون (البنوك أو الهيئات المالية) بالتحقق من استعداد السوق لعملية الاكتتاب الأولي للشركة. هذه العملية تسمح للشركة ووسطائها بجمع رؤى وتعليقات قيّمة حول معنويات المستثمرين وحجم الطلب على الأسهم، والتي يمكن الاسترشاد بها في استراتيجية التسعير. الحدّ من أخطاء التوقعات: يسهم نشاط بناء سِجلّ الأوامر قبل الاكتتاب العام الأولي في تقليل خطأ التنبؤ المتعلق بتقييم السهم. فمن خلال جمع المعلومات من المستثمرين المحتملين، يمكن للضامنين تعديل توقعاتهم وأسعارهم بحيث تعكس واقع السوق بشكل أفضل، ما يؤدي إلى تقييم أكثر دقة. تعديل سعر العرض: المعلومات التي يتم جمعها خلال عملية بناء سِجلّ الأوامر قبل الاكتتاب يمكن أن تؤدي إلى تعديلات في سعر العرض النهائي، هذا السعر يتم تحديده بعد النظر في التعليقات الواردة من المستثمرين والاطلاع على المعلومات الجديدة المتاحة، بما يُسهم في الحصول على توقعات أقرب إلى الحقيقة.
🗂️ تنظيم الطلب أمر ضروري في الاكتتابات العامة الأولية لعدة أسباب: استقرار السوق: في غياب التنظيم، يمكن أن يؤدي ارتفاع الطلب إلى تضخم غير واقعي لسعر السهم، وهذا قد يخلق فقاعات يمكن أن تنفجر في نهاية المطاف، ما يتسبب في خسائر كبيرة للمستثمرين وزعزعة استقرار السوق. حماية المستثمرين: عبر تنظيم الطلب، يستطيع المنظمون ضمان حصول المستثمرين على معلومات دقيقة، وضمان أن تعكس الأسعار قيمة الشركات المطروحة للاكتتاب العام الحقيقية، ما يحُدّ من خطر الاستثمار في أسهُم مبالغ في قيمتها. التخصيص العادل للأسهم: في العديد من الأسواق، عادة ما يحصل المستثمرون المؤسيسّون (المؤسسات الاستثمارية) على حصة أكبر من مخصصات الاكتتابات العامة الأولية، وقد يأتي ذلك على حساب المستثمرين من الأفراد. ويمكن للوائح التنظيمية أن تساعد في تحقيق نوع من التوازن في هذا التخصيص، ما يضمن مشاركة قطاع أعرض من المستثمرين في الاكتتابات العامة الأولية. تشجيع الاستثمارات طويلة الأجل: عبر تنظيم الطلب، يمكن للهيئات الرقابية المنظمة أن تعزز ثقافة الاستثمار طويل الأجل بدلاً من المضاربة قصيرة الأجل. هذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى زيادة استقرار أسعار الأسهم بعد الاكتتاب العام الأوّلي، وأن يؤدي كذلك إلى تشجيع الشركات على التركيز على النمو المستدام بدلاً من الاقتصار على ردود الفعل الفورية للسوق. الحفاظ على نزاهة السوق: يسهم التنظيم في الحفاظ على نزاهة عملية الاكتتاب العام الأولي؛ من خلال ضمان استيفاء الشركات معايير معينة قبل طرحها للاكتتاب العام. ويشمل ذلك: الإقرارات المالية، والامتثال للمتطلبات القانونية، ما يساعد في بناء ثقة المستثمرين في السوق. منع التلاعب في السوق: تنظيم الطلب يمكن أن يسهم في منع ممارسات التلاعب في السوق، ومنها الضخ والإغراق؛ حيث يتم تضخيم سعر السهم بشكل مصطنع لجذب المستثمرين قبل أن يقوم المضاربون من الداخل ببيع أسهمهم محققين أرباحا. ويمكن للوائح التنظيمية أن تسهم في خلق بيئة سوقية أكثر شفافية ونزاهة.
أمثلة من أسواق عالمية
إليكم أبرز الأمثلة على اكتتابات عامة أولية في الأسواق المالية بالولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والهند والصين، لشركات كبرى عجزت عن تحقيق رأس المال المطلوب أو قامت بتغطية الطرح الأولي ولكن انخفضت أسعار أسهمها بحدة لاحقا. ![]() وي وورك (الولايات المتحدة الأمريكية)
السنة: 2019 رأس المال المستهدف: 3 مليارات دولار في الاكتتاب العام الأولي للشركة النتيجة: في نهاية المطاف، تم سحب الاكتتاب العام الأولي بسبب مخاوف المستثمرين الشديدة بخصوص نموذج أعمال الشركة ومسائل تتعلق بالإدارة وخسائر مالية. وقد انخفض التقييم من الهدف المبدئي عند 47 مليار إلى حوالي 10 مليارات، ما أدى في النهاية إلى إلغاء الاكتتاب العام الأولي. ![]()
أوبر تكنولوجيز (الولايات المتحدة الأمريكية)
السنة: 2019 رأس المال المستهدف: 10 مليارات دولار. النتيجة: تمّ طرح أسهم أوبر للاكتتاب العام وجمع حوالي 8.1 مليار دولار، إلا أن ذلك اعتُبر مخيباً للآمال؛ إذ لم يتحقق الهدف المرجوّ. وانخفض سعر السهم بشكل كبير بعد الاكتتاب العام، ما يعكس المخاوف بشأن الربحية والمنافسة في سوق خدمات النقل التشاركي. ![]()
كرافت هاينز (الولايات المتحدة)
السنة: 2015 رأس المال المستهدف: حوالي 10 مليارات دولار. النتيجة: تم تأجيل الاكتتاب العام الأولي في نهاية المطاف بسبب ظروف السوق والمخاوف بشأن تقييم الشركة. هذا الفشل في تحقيق رأس المال المستهدف يرجع إلى قلة اهتمام المستثمرين والتشكك فيما يتعلق بآفاق نمو الشركة. ![]() دليفرو (المملكة المتحدة)
السنة: 2021 رأس المال المستهدف: حوالي مليار جنيه إسترليني (ما يناهز 1.4 مليار دولار). النتيجة: لم يجمع الاكتتاب العام الأولي سوى 1.5 مليار جنيه إسترليني، وانخفض سعر السهم بأكثر من 30% في اليوم الأول من التداول، ما أدى إلى خسارة كبيرة في القيمة السوقية. ورغم تحقيق الهدف من الناحية الفنية، إلا أن ضَعف الاستقبال في السوق سلّط الضوء على مخاوف المستثمرين بشأن نموذج أعمال الشركة وربحيتها. ![]()
أويو رومز ( قطاع الضيافة - الهند)
السنة: 2021 رأس المال المستهدف: استهدفت أويو تجميع حوالي 1 مليار دولار. النتيجة: تقرّر إرجاء الاكتتاب العام الأولي بسبب ظروف السوق غير المواتية والمخاوف بشأن السلامة المالية للشركة وحوكمتها. وعزى مراقبون الفشل في تحقيق رأس المال المستهدف إلى انعدام ثقة المستثمرين في قطاع الضيافة في ظل جائحة كورونا آنذاك. ![]()
شنزين لينجنان نونفيميت (الصين)
السنة 2015 رأس المال المستهدف: الشركة استهدفت جمع حوالي 1.5 مليار يوان (ما يناهز 240 مليون دولار). النتيجة: لم تحظَ الشركة باهتمام العدد الكافي من المستثمرين في الاكتتاب العام؛ حيث لم يتم جمع سوى حوالي 1.1 مليار يوان (حوالي 176 مليون دولار). وارتبط الفشل في تحقيق الهدف بمخاوف المستثمرين بشأن الصحة المالية للشركة والتباطؤ الاقتصادي بشكل عام في الصين. ![]() سينوبك إنجينيرنج جروب (الصين)
السنة: 2011 رأس المال المستهدف: حوالي 30 مليار يوان (ما يناهز 4.5 مليار دولار) النتيجة: كان الاكتتاب العام ناجحاً من حيث قيمة رأس المال الذي تمّ جمعه، ولكن بعد الإدراج، انخفض سعر السهم بشكل كبير، ما أدى إلى مخاوف بشأن التقييم ومعنويات المستثمرين. وعلى الرغم من أن الهدف من الاكتتاب قد تحقق بالفعل، إلا أن الأداء اللاحق سلط الضوء على المخاطر المرتبطة بالاكتتابات العامة الأولية المبالَغ في تسويقها. ![]() |
|
|
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2024، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |