الأسبوع السابع والاربعون > ما الذي لا تقوله لك الصحافة الغربية عن قرار السعودية زيادة إنتاج النفط





 

ما الذي لا تقوله لك الصحافة الغربية عن قرار السعودية زيادة إنتاج النفط
 

يسلط هذا التحليل الضوء على أوجه قصور في التقارير الأخيرة لوسائل إعلام غربية التي تربط وبشكل  مفرط في السطحية اتخاذ المملكة العربية السعودية قرارا بزيادة إنتاج النفط لمواجهة "سلوكيات تحايلية" داخل منظمة أوبك.

ترمي مثل تلك السرديات إلى تجهيل الدراسات الحسابية الاستراتيجية المعقدة، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى توجيه الرأي، فضلا عن تهميش الأولويات الاقتصادية للمملكة الأوسع نطاقًا؛ وعلى رأسها التنويع المستمر لمصادر الدخل.
وقد تلجأ دولة كبيرة بحجم المملكة العربية السعودية إلى زيادة إنتاجها لترسيخ دورها التاريخي المؤثر في تحقيق الاستقرار بالسوق من خلال اتخاذ قرار استراتيجي يراعي الأبعاد الجيوسياسية، وهذا ما سنشرحه في الجزء الأخير من هذا التحليل.



 
❓❓
كيف تؤدي الأسعار السابقة إلى تقلب الأسعار المستقبلية

أُجريت دراسة أكاديمية على حقبة زمنية تمتد لإثنى عشر عامًا من عام 2000 وحتى 2012. ونُشرت الدراسة في المجلة الدولية لقضايا الطاقة العالمية.
 إذ أتاح هذا الإطار الزمني للباحثين الفرصة لإمعان النظر على فترة طويلة شهدت تقلبات كبيرة في عدد من المحاور: أسعار النفط، وأنشطة منظمة أوبك، والأحداث الجيوسياسية، والظروف الاقتصادية، مما أدى إلى توفير إطار عمل شامل لتحليل أوجه الترابط بين تلك المتغيرات على مر الزمان.

يفسر السلوك التاريخي لأسعار النفط بشكل أساسي حجم تباين أسعار النفط خلال فترة الدراسة، ويُطلق على تلك الظاهرة اسم السلوك الاندفاعي أو الانحدار الذاتي.
وتوصلت الدراسة البحثية إلى أن عامل سعر النفط السابق يشكل 98% من حجم التباين، مما يعني أن جميع تقلبات أسعار النفط تقريبًا تستند إلى القيم التي كانت عليها في السابق.




قراءة في الرسم البياني
● حجم العمليات (83,649): إجمالي عدد عقود النفط المبرمة خلال الفترة المحددة. 
● الخيارات المفتوحة (Open Interest" (78,735": إجمالي عدد العقود القائمة التي لم تخضع للتسوية أو الإغلاق.
● النطاق اليومي (61.25 - 62.71 دولار أمريكي): يوضح هذا المؤشر مقدار التذبذب أو التحرك السعري خلال يوم تداولي واحد.
● نطاق التغير السعري خلال 52 أسبوعًا (55.12 - 84.52 دولار أمريكي): يوضح هذا المؤشر أعلى وأدنى سعر للنفط (خلال الفترة من سبتمبر 2024 وحتى مايو 2025)

ويكشف البحث الأكاديمي عن وجود أنشطة خفية لزيادة المعروض من النفط، ومع ذلك لم تتأثر أسعار النفط.
وتم ذلك من خلال مقارنة حصص الإنتاج الرسمية المقررة من منظمة الأوبك ومعدلات الإنتاج الفعلية التي أوردتها الدول الاعضاء في تقاريرها، وتم الحصول عليها من مصادر خارجية، مثل بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية والتي توفر بيانات مستقلة حول معدلات إنتاج النفط الفعلية لمختلف الدول بما فيها الدول الأعضاء في منظمة الأوبك.

تستمد بيانات إدارة معلومات الطاقة موثوقيتها من منهجيتها الصارمة، وشفافية عمليات جمع البيانات التي تنتهجها، واعتمادها على مصادر تحقق من المصداقية متعددة تشمل الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية وبيانات الجمارك والتجارة الخاصة بالشراكات الاسترتيجية التي تربط بين الأطراف المعنية في مختلف أنحاء العالم.
كما أن بيانات إدارة معلومات الطاقة تُعد مصدرًا موثوقًا ومعتمدًا يمكن اللجوء إليه لفهم أسواق النفط الأمريكية والعالمية، نظرًا لأن تلك البيانات متوفرة لعامة الجمهور وتخضع للتدقيق والتمحيص على يد الخبراء وصانعي السياسات والمشاركين في الصناعة.




وفي السنوات الأخيرة للدراسة التحليلية انخفضت النسبة المئوية البالغة 98% التي تشير إلى عامل سعر النفط السابق إلى 77%. وهذا يوضح أن سائر العوامل المغايرة لعامل أسعار النفط السابقة (مثل: الأحداث الجيوسياسية، أو سياسات منظمة الأوبك، أو الأزمات الخارجية) قد أصبحت أكثر تأثيرًا على تقلب أسعار النفط بمرور الوقت، وان احتفظ الأثر التاريخي لأسعار النفط بحصة كبيرة كعامل حاسم لتحديد السعر الراهن.

وثمة أربعة عوامل رئيسية تؤثر بشكل كبير على ديناميكيات أسعار النفط وتتمحور جميعها حول درجة اليقين في مواضع مختلفة على النحو الوارد في الرسم التالي.
يساعد ذلك صانعي السياسات والمشاركين في السوق على تقييم مستويات المخاطرة وقوة الاستراتيجيات في مواجهة حالات عدم اليقين المتنوعة، وخاصةً عند التخطيط لإجراء تدخلات في أسواق تتسم بالتقلب مثل سوق النفط.




● عدم اليقين: يشير إلى الحالات التي تُبهم فيها النتائج أو الوضع المستقبلي للسوق، مع إمكانية تقدير حدوث احتمالات.
● الجهل: يشير إلى انعدام المعرفة بعوامل أو معلومات محددة من شأنها التأثير على الأسعار. على سبيل المثال عدم المعرفة بحجم الاحتياطيات أو السياسات الحكومية غير المعلنة.
● الخطورة: الحالات التي يمكن خلالها معرفة أو تقدير مدى احتمالية تحصيل نتائج مختلفة، بحيث تظل تلك النتائج غير يقينية.
● الغموض: يشير إلى ورود إشارات مبهمة حول الظروف الاقتصادية العالمية أو سياسات الأوبك المستقبلية.

يشير المؤشر "ضعيف" في المخطط إلى ضعف البيانات، حيث يوضح أن المعلومات المتاحة غير موثوقة أو منقوصة، مما يصعب من أمر اتخاذ القرارات أو اشتمالها على قدر من الخطورة.
أما المؤشر "متوسط" يشير إلى توفر بعض المعرفة أو البيانات، ولكنها غير موثوقة بشكل كامل أو غير متكاملة.

 
🔍
كواليس التسعير: منظمة الأوبك ودورها الاستراتيجي القوي في صياغة السياسات العالمية

يشيع الاعتقاد بأن منظمة الأوبك هي الجهة المنوطة بتحديد أسعار النفط من خلال إجراء تعديلات على مقررات إنتاج النفط الخام، وذلك على الرغم من أن هذا المعتقد غير قائم على أي وقائع جيولوجية أو أبحاث أكاديمية أو سلوكيات ملحوظة لأعضاء منظمة الأوبك، وما تزال تقارير غربية حتى وقتنا هذا تتحدث عن ذلك الزعم.

لا يمكن تصديق هذا المعتقد من الناحية الجيولوجية لأن استخراج النفط يعتمد على العوامل الفيزيائية مثل ضغط خزانات النفط، ودرجة اللزوجة، وقابلية النفاذية. على سبيل المثال، بعد الوصول لنقطة ذروة أولية، يبدأ إنتاج النفط في البئر أو الخزان في الانخفاض بشكل طبيعي بمرور الوقت، في ظاهرة تُعرف باسم منحنى الانحدار.
لذا، فمحاولة تسريع وتيرة زيادة الإنتاج أو خفضه يتوقف فقط على تلك العوامل الجيولوجية. وهذا يوضح أنه لا يمكن خفض أو زيادة الإنتاج بمجرد ضغطة زر لإحداث تأثير فوري على الأسعار.

 

أما على صعيد الأبحاث الأكاديمية، فقد أوضحت دراسات بحثية كثيرة أن التعديلات التي تجريها منظمة الأوبك على معدلات الإنتاج تؤثر بشكل ضئيل فقط على أسعار النفط العالمية. فخلال الفترة بين عام 2017 ومطلع عام 2020، أحدثت أوبك بلس تأثيرًا متوسطًا فقط على الأسعار، إذ تشير التقديرات إلى أنه لولا سلسلة تخفيضات الإنتاج التي انتهجتها أوبك بلس، لكان من المفترض أن تنخفض الأسعار بغض النظر عن قرار المنظمة بنسبة 6%.
وهذا يعني أن الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية تلعب دورًا بالغ الأثر في فهم القرارات ذات الصلة بالإنتاج.




استخدم الباحثون نماذج اقتصادية قياسية لاستبيان العلاقة التي تربط بين حصص الإنتاج التي أعلنتها أوبك ومعدلات الإنتاج الفعلية وأسعار النفط الخام خلال فترات مختلفة.
وخلال الفترة من عام 1993 فصاعدًا، لاسيما الفترة اللاحقة لعام 2000، كشفت الدراسات عن عدم الالتزام كثيرًا بمقررات الإنتاج الفعلية التي أقرتها أوبك، وأن التعديلات التي تجريها لا تؤدي بشكل موثوق إلى تغيير أسعار النفط، وأن تلك التغييرات لا تُجرى نتيجة لتغير الأسعار.

تشير تلك البيانات إلى تجاوز إنتاج أعضاء الأوبك للحصص المقررة لهم بنسبة 80% تقريبًا بشكل أساسي في الحقبة الزمنية الممتدة من 1993 وحتى  شهر أكتوبر من عام 2007.
وهذا يوحي بأن منظمة الأوبك تضطلع بدور أكبر؛ كونها تحالفًا جيوسياسي يرسل إشارات هامة إلى السوق العالمية، وأنها ليست مجرد تحالفًا لتحديد الأسعار بشكل صارم. حيث توجه الدول الأعضاء أولويتها نحو تحقيق المصالح الداخلية وإنجاز الأهداف الاستراتيجية من خلال الالتزام الصارم بالأسعار.

وقد تلجأ بعض الدول أيضًا إلى تعديل حجم الإنتاج لديها لدوافع سياسية استراتيجية وتحسبًا لحدوث تطورات جيوسياسية. فمثلاً، في حالة التوصل إلى اتفاق نووي  جديد بين الولايات المتحدة وإيران، قد يتأثر سوق النفط برفع واشنطن للعقوبات المفروضة على طهران إذ من المحتمل أن تزيد صادرات النفط المستقبلية لإيران، مما قد يؤدي إلى زيادة إمدادات النفط العالمية في المستقبل.

 
🇸🇦
 
وقد تشرع المملكة العربية السعودية مثلاً في زيادة حجم إنتاجها ليس فقط لحماية حصتها الاستراتيجية في السوق بل أيضًا لحماية الأسعار من الانخفاض الحاد فور مواصلة إيران لعمليات التصدير، مما يؤدي إلى حماية إيرادتها على المدى القصير.
وترسل زيادة الإنتاج إشارات مسبقة للسوق بأن السعودية مستعدة جيدًا لمجابهة الزيادة المحتملة للصادرات الإيرانية. ويمكن أن يؤثر هذا الإجراء الوقائي على التوقعات السوقية، مما قد يحبط احتمالات خفض الأسعار بشكل حاد عند مواصلة إيران لعمليات التصدير من جديد، وهو ما سيعزز من مكانة المملكة العربية السعودية ودورها كقوة داعمة للاستقرار.


أقرأ أيضــــاً
ترسيخ مكانة السعودية كوجهة رئيسية لانتقال الثروات والإقامة

ليس هناك شيء يضاهي التأثير الذي تُحدثه العروض الترويجية الحصرية في استقطاب الأثرياء من المراكز المالية العالمية ذات الأنظمة الضريبية غير الجذابة، وحثهم على التفكير في نقل ثرواتهم إلى المملكة العربية السعودية والإقامة فيها.
استكشف التقرير
السعودية واستراتيجية الأمن السيبراني… العمل بروح الرياضات الجماعية

خلال الأشهر الثلاثة الماضية، نقلت وسائل إعلام عربية وغربية رائدة أخبارًا تشير إلى أن شركة مايكروسوفت قد تسهم في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنحو 24 مليار دولار أمريكي خلال السنوات الأربع المقبلة من خلال توفير فرص لوظائف عالية التقنية والإسهام في ازدهار الاقتصاد الرقمي.
استكشف التحليل
Facebook
Twitter
LinkedIn
Instagram
YouTube
حمل تطبيقاتنا
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة