الأسبوع السابع والاربعون > ترسيخ مكانة السعودية كوجهة رئيسية لانتقال الثروات والإقامة





 

ترسيخ مكانة السعودية كوجهة رئيسية لانتقال الثروات والإقامة
 

ليس هناك شيء يضاهي التأثير الذي تُحدثه العروض الترويجية الحصرية في استقطاب الأثرياء من المراكز المالية العالمية ذات الأنظمة الضريبية غير الجذابة، وحثهم على التفكير في نقل ثرواتهم إلى المملكة العربية السعودية والإقامة فيها.

وتوفر هذه الفعاليات الحصرية التي تقتصر على المدعوين فقط، والتي تُقام في أفخم الفنادق في جميع أنحاء أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بيئة لا مثيل لها من النشاط والخصوصية لأثرياء العالم، ومكاتب إدارة الشؤون المالية للعائلات (أي الشركات التي تنسق جميع الشؤون المالية للأثرياء وتشرف عليها).  
ونحن نقدم هذا المقال لصناع القرار والسياسات في المملكة لتسليط الضوء على الأهمية الاستراتيجية لتوسيع جهودها في هذا المجال لاستضافة المزيد من هذه الفعاليات الحصرية.

وكما أصبح معرض إنفست هونج كونج، على سبيل المثال، حدثا رائدا ومعترفا به عالمياً يجذب عددا لا يحصى من الأثرياء والمستثمرين من جميع أنحاء العالم ويحثهم على نقل أعمالهم إلى هونج كونج والإقامة فيها، فإن المملكة العربية السعودية بحاجة إلى تبني استراتيجية مماثلة، مثل تنظيم المزيد من تلك الفعاليات الخاصة في مدن رئيسية مثل لندن، وبكين، ونيودلهي، وريو دي جانيرو، وزيورخ، وسنغافورة، وذلك بصورة منتظمة بل ومكثفة.

وفي هذا التحليل، نستهدف بالتحديد الأشخاص الذين يتمتعون بوضع "غير المقيمين" ضريبياً، والذين يعيشون في المدن الأوروبية، وخاصةً لندن، كهدف رئيسي لمثل هذه الاستراتيجية. إذ تُعدّ لندن وغيرها من مدن المملكة المتحدة حاليا هدفا مثاليا لمن يريدون استقطاب أصحاب الثروات، حيث ألغت المملكة المتحدة في مارس 2024 نظام ضرائب غير المقيمين، وهو نظام ضريبي يعود إلى عام 1799. وقد دخلت هذه التغييرات القانونية الجديدة حيز التنفيذ في السادس من أبريل 2025. وكان هذا النظام الضريبي في المملكة المتحدة يسمح للأفراد الذين يعيشون فيها بينما لديهم موطن دائم آخر خارج البلاد، بالمطالبة بالإعفاء من دفع الضريبة البريطانية على دخلهم وأرباحهم بالخارج، شريطة ألا يُحوّلوا هذه الأرباح إلى المملكة المتحدة.




بعض النقاط الرئيسية من الرسم البياني السابق:

● دافعو الضرائب الذين يتمتعون بوضع "غير المقيمين" ضريبيا (Non-domiciled)، هم أفراد يعيشون في المملكة المتحدة لكنها لا تعد موطنهم (أو مقر إقامتهم) الدائم.
● دافعو الضرائب الذين "يُعتبرون مقيمين" ضريبيا  (Deemed Domiciled)، هم أفراد على الرغم من عدم إقامتهم بشكل دائم في المملكة المتحدة، فإنهم يُعاملون كما لو كانوا مقيمين فيها لأغراض ضريبية، بعد استيفاء شروط معينة، مثل الإقامة في المملكة المتحدة لمدة 15 عاما.
● في السنة الضريبية المنتهية في عام 2023، تشير التقديرات إلى أن إجمالي ما لا يقل عن 83,800 من دافعي الضرائب الذين يتمتعون بوضع "غير المقيمين"، مع دافعي الضرائب الذين "يُعتبرون مقيمين" ضريبيا، قد دفعوا ضرائب ومساهمات في التأمين الوطني (وهو شكل آخر من أشكال الضرائب) تبلغ قيمتها الإجمالية  12.3 مليار جنيه إسترليني.  
 
🇬🇧 
وقد أدى التعديل الضريبي الأخير في المملكة المتحدة إلى تقصير فترة استفادة من يتمتعون بوضع "غير المقيمين" من المعاملة الضريبية التفضيلية بشكل كبير من 15 عاما إلى 4 سنوات فقط. ويقلل هذا التغيير الكبير من فترة المزايا الضريبية التي كانت متاحة سابقا للمقيمين على المدى الطويل، مما يحد من فرص بقاء هؤلاء الأثرياء مستقبلا في البلاد، بينما يحفز من فرص جلب الدخل الأجنبي إلى المملكة المتحدة في إطار زمني أقصر بكثير.

وعلاوة على ذلك، تغيرت قواعد ضريبة الميراث في المملكة المتحدة أيضا في شهر أبريل، فإذا كان شخص ما يصنف على أنه مقيم من الناحية الضريبية في المملكة المتحدة لمدة 10 سنوات على الأقل من أصل 20 عاما مضت، فسيتم اعتباره مقيما طويل الأمد. وبمجرد إعطاء الشخص هذا التصنيف، فسوف يحتفظ بهذه الصفة، وهذا يعني أنه سيخضع لضريبة الميراث على أصوله في جميع أنحاء العالم.

كما توصل استطلاع حديث أجرته مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس للأبحاث على 115 شخصا ممن يتمتعون بوضع غير المقيمين ضريبيا في المملكة المتحدة، أن بعض هؤلاء الأشخاص قاموا بسحب استثمارات بلغ مجموعها 840 مليون جنيه إسترليني من الأصول المحلية قبل بدء هذه التعديلات، وشملت عملية التخارج استثمارات في قطاعات العقارات، والتمويل، والضيافة.

 
🔍
النظام الضريبي في السعودية: آفاق جديدة في إدارة الثروات الدولية

تتميز المملكة العربية السعودية بنظام ضريبي جذاب للغاية، كما أن وجود اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي بين المملكة العربية السعودية والعديد من الدول، بما في ذلك المملكة المتحدة، والهند، وفرنسا، والصين، والمكسيك، يجعلها وجهة جذابة للأثرياء الذين يفكرون في الانتقال إلى وجهات جديدة.
وتمنع مثل هذه الاتفاقيات الأفراد من دفع ضرائب مرتين على نفس الدخل أو المكاسب في كلا البلدين.

كما خفّضت المملكة العربية السعودية معدل الضريبة المفروضة على الشركات من 45% عام 1999 حتى وصلت إلى 20%، كما هو موضح في الرسم البياني أدناه، وهو معدل لا يزال أعلى من الإمارات العربية المتحدة بنسبة 5%. ومع ذلك، توفر المملكة نظاما ضريبيا فريدا وغير مسبوق للشركات في المنطقة والعالم، وهو نظام جذابٌ بشكل خاص للشركات العالمية الكبرى، مما يجعل المملكة وجهة تنافسية واستراتيجية للأعمال التجارية العالمية.




في ديسمبر 2023، قدمت المملكة العربية السعودية حزمة إعفاءات ضريبية لمدة 30 عاماً للشركات الأجنبية التي تؤسس مقراتها الإقليمية في المملكة.
ويعد هذا الحافز جزءا رئيسيا من حملتها الواسعة لجذب الشركات متعددة الجنسيات ولجلب الاستثمارات الدولية إلى المملكة. ويشمل هذا العرض معدل ضريبة على الشركات بنسبة "صفر" في المئة، ولمدة 30 عاماً، ويتم تطبيق ذلك على الشركات من يوم حصولها على ترخيص المقر الرئيسي الخاص بها.

وبالإضافة إلى الإعفاء التام من ضريبة الدخل الشخصي، فإن هذه السياسات لا تجتذب فقط أصحاب الثروات الطائلة من أوروبا وأماكن أخرى حول العالم، لكنها أيضا تخلق بيئة جذابة للغاية لكل من الشركات متعددة الجنسيات في المملكة، وموظفيها ذوي المهارات العالية.
فمع عدم فرض ضريبة على الدخل الشخصي عموما في المملكة، يحتفظ الموظفون بجزء أكبر من مدخراتهم، وهذا يزيد بشكل كبير من دخلهم المتاح للإنفاق، مما يجعل فكرة الانتقال إلى المملكة أكثر جاذبية من الناحية المالية، وهذا بدوره يتيح زيادة الإنفاق على الإسكان والسلع الفاخرة، والخدمات، مما يعزز الطلب على العقارات بشكل خاص.

كما أن الإعفاءات الضريبية طويلة الأجل تقلل من حالة عدم اليقين المتعلقة بالضرائب بالنسبة للمغتربين والمهنيين ذوي المهارات العالية، مما يشجعهم على الاستقرار في المملكة على المدى الطويل دون قلق بشأن الزيادات الضريبية المستقبلية.

 

أضف إلى ذلك أن القمة السعودية الأمريكية الأخيرة تعد ذات أهمية كبيرة، والتي تتمثل في إمكانية جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة، وخاصة المستثمرين الأثرياء وأصحاب الثروات الطائلة، لإدارة ثرواتهم والانتقال إلى المملكة. ويتجلى ذلك الأمر في إبرام 34 صفقة عقب منتدى الاستثمار الأمريكي السعودي الذي عُقد في الرياض الأسبوع الماضي، خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي استمرت أربعة أيام إلى الخليج العربي.
 
🇸🇦
السعودية تشق طريقها كمركز رئيسي لإدارة الثروات

في الوقت الذي تبرز فيه مكانة المملكة العربية السعودية كوجهة رئيسية جاذبة للأثرياء وأصحاب الثروات الطائلة للانتقال إليها، لا تزال الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة، وسنغافورة، وكندا، وأستراليا تتصدر قائمة الوجهات المفضلة بالنسبة للمستثمرين الأثرياء.
 
🇦🇪
حيث تتصدر الإمارات العربية المتحدة حالياً قائمة الوجهات المفضلة لإدارة الثروات، متجاوزةً الولايات المتحدة الأمريكية. وتشير مكانة هذه الدولة الخليجية العربية الجذابة إلى أن المملكة العربية السعودية أمامها فرصة كبيرة للمنافسة في إعادة تمركز الثروات العالمية، حيث يتمتع البلدان الخليجيان بمناخ متشابه، ونظام ضريبي فعال ومتطور وشفاف، وحوافز استثمارية جذابة، ويمتلكان أيضا بنية تحتية رقمية متطورة للغاية.



بالإضافة إلى ذلك، أطلقت المملكة العربية السعودية واحدة من أفخم منتجعات البحر الأحمر للسياحة و للتقاعد في العالم، والتي لا مثيل لها في الخليج العربي والشرق الأوسط، مما يوفر خيارات جذابة وذات مستوى عالمي للمستثمرين والمتقاعدين الأجانب.

وتظل الولايات المتحدة على وجه الخصوص الخيار الثاني الأكثر تفضيلا، وذلك بسبب أسواقها المالية الكبيرة، وما تتمتع به من إطار قانوني متطور، وفرص استثمارية متنوعة، وذلك على الرغم من وجود بعض القيود الضريبية لديها.
وفي ختام هذا التحليل، نود أن نسلط الضوء أيضا على أهمية عاملين آخرين لتعزيز جاذبية المدن السعودية في أعين الأثرياء الأجانب:


أولاً، يعد توفير مدارس دولية متميزة لأبناء الأثرياء وأصحاب الثروات الطائلة، وأبناء الموظفين المتميزين من ذوي المهارات العالية، عنصرا جوهريا في معادلة جذب هؤلاء الأشخاص، والإبقاء عليهم وعلى رؤوس أموالهم في المملكة.
حيث يعطي أولياء الأمور الأثرياء الأولوية لعوامل مثل التدريس عالي الجودة، والمناهج الشاملة، والأمان، والأنشطة الإضافية عند اختيار المدارس. كما تؤثر هذه العوامل بشكل مباشر على تصور العائلات لجودة التعليم، وقرارهم بالاستثمار في مواقع معينة.
وبالنسبة للوافدين الغربيين، توفر هذه المدارس في المملكة شعوراً بالألفة الثقافية والتواصل، مما يسهل عليهم فكرة الانتقال إلى بلد جديد والعيش فيه.

 

وثانيا، يمكن لتطوير المباني الشاهقة التي تضم مراكز لياقة بدنية، وصالات رياضية، وحمامات سباحة عالية الجودة، أن يجعل منها بلا شك أصولا مالية قوية، وأساساً لنمط حياة رائع أيضا.
ويشهد القطاع العقاري في المملكة العربية السعودية تحولاً كبيراً في الفترة الأخيرة في إطار استراتيجية رؤية المملكة 2030 الأوسع نطاقاً، ويتمثل أحد الجوانب الحيوية في هذا الأمر في توفير فرص عقارية ذات مستوى عالمي للمستثمرين الأجانب داخل المملكة.

وفي السابق، كان الأجانب يواجهون قيوداً عند سعيهم لتملك عقارات في المملكة العربية السعودية، لكن القانون الآن يسمح للأجانب بتملك العقارات (خارج مكة المكرمة والمدينة المنورة)، بشرط الحصول على الموافقات التنظيمية، واتباع شروط الاستثمار.


أقرأ أيضــــاً
ما الذي لا تقوله لك الصحافة الغربية عن قرار السعودية زيادة إنتاج النفط

يسلط هذا التحليل الضوء على أوجه قصور في التقارير الأخيرة لوسائل إعلام غربية التي تربط وبشكل  مفرط في السطحية اتخاذ المملكة العربية السعودية قرارا بزيادة إنتاج النفط لمواجهة "سلوكيات تحايلية" داخل منظمة أوبك.
استكشف التحليل
السعودية واستراتيجية الأمن السيبراني… العمل بروح الرياضات الجماعية

خلال الأشهر الثلاثة الماضية، نقلت وسائل إعلام عربية وغربية رائدة أخبارًا تشير إلى أن شركة مايكروسوفت قد تسهم في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنحو 24 مليار دولار أمريكي خلال السنوات الأربع المقبلة من خلال توفير فرص لوظائف عالية التقنية والإسهام في ازدهار الاقتصاد الرقمي.
استكشف التحليل
Facebook
Twitter
LinkedIn
Instagram
YouTube
حمل تطبيقاتنا
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة