إذا أقرّ النظام المصرفي السعودي إنشاء بنوك للذهب، فسيشجع ذلك كثيرين على إيداع ما لديهم من ذهبهم في تلك البنوك، بدلا من الاحتفاظ به في بيوتهم.

وبنوك الذهب هي مؤسسات مالية متخصصة في تداوُل، وتخزين، وإدارة المعادن الثمينة، وخاصة الذهب.

وتشارك بنوك الذهب بشكل كبير في سوق الجملة، وعادة ما تتدخل في أنشطة مثل تنقية السبائك من الشوائب، ونقلها، وتشكيلها أو طلائها وإضافة التصاميم إليها.
 
 وفي العادة، لا تولي البنوك التقليدية، أو شركات الاستثمار التي تقدم خدمات متصلة بالذهب، أولوية للتخصص في التعامل مع السبائك. لكنها تقدّم خدمات خاصة ببيع السبائك، وبالصناديق المتداولة في البورصة، وبالاستشارات الاستثمارية – ولكن دون تخصص في الجوانب المتصلة بالأنشطة التنفيذية بسوق الذهب.
 
وإذا ما ألقينا الضوء على جانب واحد من جوانب ديناميات الطلب على مشتريات السبائك والعملات الذهبية في السعودية، فسنلاحظ أنها ارتفعت إلى 15.4 طن في 2024، بنسبة 9% مقارنة بالعام السابق.

وتشهد مشتريات السبائك والعملات الذهبية في السعودية ارتفاعاً للعام الرابع على التوالي، وتعدّ هذه أكبر مشتريات سنوية للسعودية من السبائك والعملات منذ عام 2014؛ أي منذ 10 سنوات.
 


وفي هذا العدد الأسبوعي من أرقام، نستعرض فكرة تدشين أوّل بنك على الإطلاق لسبائك الذهب، مملوك للدولة، في السعودية؛ بدلاً من الاكتفاء بحسابات فرعية في بنوك كبيرة، كما هي الحال الآن في المملكة.

وثمة ملاحظات على تلك الحسابات الفرعية، منها على سبيل المثال، أنّ مجرد فتح الحساب يتطلّب إيداع ما لا يقل عن 10 جرامات من الذهب. كما أنه لا يحق لأصحاب تلك الحسابات شراء الذهب إلا من تلك البنوك مباشرة، وبهذا فقد تضيع عليهم فرصة شراء الذهب بسعر أقلّ من تجّار ذهب آخرين.

علاوة على ذلك، فإن تلك البنوك لا تقبل عمليات إعادة الشراء؛ فلا يمكن للعملاء الذين يسحبون سبائك أن يعيدوا بيعها للبنوك.

على أن مثل هذا الشرط الأخير، كفيل بأن يقلص من مخاطر تعرُّض البنوك لتقلبات أسعار الذهب، كما أنه كفيل بتشجيع العملاء على الاحتفاظ بالذهب كاستثمار طويل الأجل بدلاً من التداول قصير الأجل.

لكن مع ذلك، قد يلجأ هؤلاء العملاء إلى الأسواق غير الرسمية لبيع هذا الذهب، ما يعزّز التجارة غير الشرعية والتهرّب من القواعد المنوط بها حماية المعاملات الخاصة بالذهب.

وقبل استعراض فكرة تدشين أول بنك لسبائك الذهب في السعودية، نقدّم لكم نظرة عامة على إنتاج المملكة من الذهب وما لديها من احتياطي من هذه المعدن الثمين.
تعتبر شركة معادن هي أكبر شركات الذهب في السعودية، وأكبر شركة تعدين متعددة السلع من المعادن في الشرق الأوسط. وهي تصدّر منتجاتها إلى أكثر من 30 دولة حول العالم.

وللذهب مكانة خاصة في شركة معادن؛ كونه أول معدن تنتجه الشركة. ولدى تدشينها بمرسوم ملكي في مارس 1997، كانت شركة معادن تجني كل أرباحها من إنتاج الذهب.
وأصبحت شركة معادن لاعباً رئيسيا في تنويع الاقتصاد السعودي على المدى الطويل. وفي عام 2025، تستهدف شركة معادن استثمار حوالي 8.5 مليار ريال سعودي، مع تخصيص معظم هذا الإنفاق لمشاريع تدعم النمو، خصوصاً الذهب، والفوسفات والألومنيوم.



بلغ احتياطي المملكة العربية السعودية من الذهب حوالي 323.07 طناً بنهاية الربع الأول من عام 2024، لتحتل مركز الصدارة في العالم العربي، والمركز الـ 18 على مستوى العالم.
 
وتقدّر القيمة الإجمالية لاحتياطي السعودية من المعادن بنحو 9.375 تريليون ريال سعودي (حوالي 2.5 تريليون دولار أمريكي).

ويبلغ عدد المصانع المنتجة لسبائك الذهب والفضة في المملكة حوالي ستة مصانع، باستثمارات تتجاوز قيمتها 7 مليارات ريال سعودي.
 

ومنذ إنشائها بمرسوم ملكي في عام 2019، أصدرت وزارة الصناعة والثروة المعدنية 477 ترخيصا للتنقيب عن الذهب الخام، كما أصدرت عدداً من التراخيص في قطاع الذهب تقدّر بنحو 15 ترخيصا، بعضها ينتِج بالفعل، بينما لا يزال البعض الآخر قيد التطوير.

ويمكن لإنتاج الذهب أن يدرّ عائدات ضريبية كبيرة للحكومات عبر تراخيص التعدين، والضرائب على الصادرات، وحقوق الملكية. ويمكن إعادة استثمار هذه العائدات في الخدمات العامة والبنية التحتية.



في هذا الرسم البياني، نلحظ زيادة ضئيلة في احتياطي السعودية من الذهب، من 322.9 طناً في الربع الرابع من عام 2015 إلى 323.07 طناً في مارس – بزيادة ناهزت 0.17 طن.

وهذا يرجّح استقرار الاحتياطي السعودي مستقبلاً أكثر مما يرجح أن يشهد زيادة كبيرة.

وربما يشير كذلك إلى أن السعودية تتبع استراتيجية أوسع تتعلق بتنويع الأصول، مع التركيز على أشكال أخرى للاحتياطيات، مثل الأصول العقارية والعملات الأجنبية.

  علاوة على ذلك، فإن الذهب لا يدرّ فوائد أو أرباحا. وربما استشرفت المملكة فُرصاً استثمارية أخرى تُدرّ عوائد أفضل من التركيز على تراكم كميات كبرى من الذهب.
 
البنوك المتخصصة في تداول السبائك تشمل التعامل مع الذهب بكافة أشكاله، سواء كان سبائك أو عُملات معدنية، أو غير ذلك من أشكال السبائك.

وتشارك البنوك في أنشطة تتضمن شراء وبيع هذه المعادن النفيسة، وتقدم خدمات تخزين، كما تقدم الذهب كضمان للقروض.

ويمكن للدول، عبر معالجة الذهب محلياً، أن تقلّص من اعتمادها على واردات الذهب.

وعندما تقوم دولة ما باستيراد الذهب، فإنها عادة ما تسحب في سبيل ذلك من احتياطيّها من العملة الصعبة، وهو ما يمكن أن يضغط على عُملتها المحليّة، فضلاً عن تأثير ذلك على ميزان مدفوعات تلك الدولة.

ووفقاً لأحدث البيانات المتاحة، فإن السعودية استوردت في عام 2023 ذهباً تناهز قيمته 7.24 مليار دولار، لتصبح بذلك في المركز الـ12 عالميا بين مستوردي الذهب.

وفي العام نفسه 2023، كان الذهب ثالث أكثر المنتجات المستوردة في المملكة، ما يشير إلى تنامي الطلب على هذا المعدن النفيس. وتأتي معظم واردت السعودية من الذهب من سويسرا.

في المقابل، صدّرت السعودية في العام نفسه 2023، ذهباً تناهز قيمته 1.4 مليار دولار، ما يضعها في المركز الـ 52 بين أكبر مصدّري الذهب في العالم. وفي العام ذاته، كان الذهب في المركز الـ 15 بين أكثر المنتجات السعودية تصديراً للخارج.
 
 

وعلى الصعيد العالمي، افتتحت إندونيسيا في فبراير الماضي أول بنك للذهب لديها، بهدف تعزيز دمج احتياطيات المعدن المملوكة لكيانات خاصة بالنظام المالي لأكبر اقتصادات جنوب شرق آسيا.

وستخضع الخدمات المصرفية لهذا البنك لإشراف كل من: بنك بي تي سياريا المملوك للدولة، وشركة بي تي باجادايان المتخصصة في أعمال الوساطة والرهن.
 

وتعدّ إندونيسيا أكبر منتج للذهب في جنوب شرق آسيا، وهي تمتلك سادس أكبر احتياطي للذهب في العالم.

وعبر تقديم تسهيلات في المتناوَل -ماديا وماليا- تشجّع مثل هذه البنوك قطاعاً أعرض من المجتمع على الاستثمار في الذهب دون الحاجة إلى رأس مال كبير أو إلى خبرة كبيرة.

وعندما يصبح الذهب خياراً متاحاً للاستثمار في بنوك الذهب، فإن ذلك يشجّع الأفراد على الادخار بشكل أكثر فعالية.

وقد يرى البعض في ارتفاع أسعار الذهب مؤشراً على استمرار الاتجاه الصعودي، ما يغري على زيادة الطلب على سبائك الذهب والخدمات المصرفية ذات الصلة.

على سبيل المثال، سجلت أسعار الذهب ارتفاعاً بمستويات قياسية في عام 2024، وفي الشهور الثلاثة الأولى من 2025، وذلك بفضل عوامل اقتصادية وجيوسياسية، جنباً إلى جنب مع استمرار الطلب وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي ناجمة بالأساس عن سياسة التعريفات الجمركية التي تنتهجها إدارة الرئيس ترامب من جهة، والتدابير المضادة التي تلجأ إليها الدول التي تستهدفها سياسات الرئيس الأمريكي من جهة أخرى.
 

 أونصة الذهب تجاوزت حاجز 3 آلاف دولار. 
 

وكما هو موضّح بالشكل أعلاه، يمكن لأسعار الذهب أن تشهد تذبذباً، لكنّ الاتجاه العام الواضح على مدار الأعوام العشرة الماضية هو الصعود.

وفي 30 مارس 2015، سجلت أونصة الذهب 812.19 دولارا، فيما تجاوزت الآن حاجز 3 آلاف دولار – بزيادة ملموسة 269.5%.

ويعدّ التضخّم أحد الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع أسعار الذهب.

وعلى مدى السنوات الماضية، لا سيما في أعقاب تدابير سياسية نقدية لجأت إليها بنوك مركزية استجابة لأزمات اقتصادية (كتلك التدابير إبان تفشّي وباء كوفيد-19) كانت هناك زيادة كبيرة في المعروض النقدي.

وفي ظل تراجع قيمة العُملات المحلية جرّاء التضخم، يصبح الذهب من الأصول المادية الملموسة، ويُنظر إليه كوسيلة للتحوّط ضد التضخم.

علاوة على ذلك، يمكن لبنوك الذهب أن تقدم تمويلا لشركات تعدين الذهب المحلية، ما يسهّل عمليات استخراج المعدن النفيس وإنتاجه. وعبر الاستثمار في العمليات المحلية، يمكن لهذه البنوك أن تُسهم في تطوير البنية التحتية للتعدين.

ويمكن للحكومات أن تجني عوائد ضريبية كبيرة من وراء عمليات تعدين الذهب، بما يشمل ضرائب الشركات، وحقوق الملكية ورسوم التصدير.

هذه العوائد بدورِها، يمكن أن تُوجَّه للخدمات العامة مثل التعليم، والرعاية الصحية وتطوير البنية التحتية.

وأخيراً، فإن تدشين بنوك محليّة للذهب كفيلٌ بأن يوفّر وظائف عبر المراحل الثلاث الرئيسية من عملية الإنتاج: التعدين؛ والتنقية من الشوائب؛ والخدمات المصرفية والتداول- ما من شأنه تعزيز النشاط الاقتصادي والإسهام في نمو الناتج المحلي الإجمالي.

أ‌. المرحلة الأولى: وهي تضم تعدين الذهب، واستخراجه ومعالجته. ومن شأن تشجيع أعمال تعدين الذهب المحلية أن يوفّر وظائف، بما يعزّز النمو الاقتصادي.

ب‌. المرحلة الثانية: وتشمل تنقية الذهب من الشوائب وإعداده للتخزين أو للبيع. ومن شأن تدشين مرافق محلية للتنقية أنْ يُعلي من جودة وقيمة الذهب المحلي.

ت‌. المرحلة الثالثة: وتشمل بيع الذهب في أشكال متنوّعة -مجوهرات أو سبائك على سبيل المثال- وتقديم خدمات مصرفية تستخدم الذهب كضمان. 

Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة