|
الطلب الصيني على صادرات سعودية محددة يمكن رصْده وتحليله من خلال المنتجات التي تُصدر لاحقا من المصانع الصينية إلى أكبر سوق تجاري لبكين، وهي السوق الأمريكية. وإلى جانب النفط، تصدّر السعودية سنوياً للصين (ما قيمته 1.7 مليار دولار) من بوليمرات الإيثيلين ذات الاستخدامات المتعددة، بدءاً من تغليف الأطعمة والعبوات الزجاجية إلى قطع غيار السيارات والعوازل، فضلاً عن مواد البناء. كما تصدّر السعودية كحوليات حلَقية، والتي تُستخدم في صناعة المذيبات والعقاقير، فضلا عن المبيدات الحشرية. وفي عام 2023، صدّرت السعودية كحوليات حلَقية إلى الصين بقيمة ناهزت 1.9 مليار دولار. والطلب الكبير من جانب المستهلك الأمريكي على المنتجات الصينية، يؤثر بدَوره على المواد الخام السعودية والتي تحمل لاحقا شعار صُنع في الصين. وتصدّرت الصين قائمة مورّدي السلع للولايات المتحدة إلى عام 2022، بنحو 16.5% من إجمالي واردات السلع. السؤال المطروح الآن هو كيف يتسنى لدول بينها السعودية أن تتعامل مع الخلل الذي سيحدث في خطوط الإمداد عبر الصين، والمتوقّع مع عودة ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، لاسيما لأن سياسات ترامب قد تؤدي إلى انخفاض في حجم الطلب الصيني على المواد الخام؟ ومن المتوقع أن تحدّد سياسات ترامب معالم السنوات الأربع المقبلة من حُكمه، وقد لا يتوقف أثر هذه السياسات على تلك الفترة فحسب، وربما امتد لسنوات أخرى لاحقة، لا سيما إذا وطّد الحزب الجمهوري مكانته السياسية في البلاد. ويتبنى ترامب خططا اقتصادية طموحة ولكنها مثيرة للجدل، تستند إلى استراتيجيته الخاصة بالتعريفات الجمركية والتي تستهدف الصين بالأساس بزيادة في قيمة التعريفات تصل إلى 60% بل إنه بالغ ذات مرة عندما هدد برفعها تدريجيا لـ 200%، إذا تطلب الأمر، كما تعهد ذات مرّة في حملته الانتخابية. ويعتقد ترامب أن زيادة التعريفات الجمركية على كل الواردات، من شأنها أن تعطي دفعة قوية للمنتجين الأمريكيين وأن تخلق مزيدا من الوظائف في الولايات المتحدة، وأن تخفض تكلفة العديد من السلع المنزلية على المدى القصير، فضلاً عن انخفاض معدّل التضخم في البلاد. هذه السياسة من جانب ترامب من المتوقع أن تتسبب في عمل فجوة عجز تجاري كبيرة في الاقتصاد الصيني لمصلحة الولايات المتحدة. وعلى مدى سنوات عديدة، كان العجز التجاري في مصلحة الصين. ففي عام 2023، تجاوزت قيمة الواردات الأمريكية من الصين قيمة الصادرات إليها بنحو 279.4 مليار دولار. تُعرف سياسات ترامب الاقتصادية الجديدة إعلامياً في الغرب باسم الاقتصاد الترامبي. وفي حال تطبيق تلك السياسات على أرض الواقع، فستمثل مصدرا كبيرا للقلق وعدم اليقين فيما بين الشركات التي تورّد بضائع مصنّعة في الصين إلى الولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم.
في هذا العدد الأسبوعي من أرقام ويك اند، نحاول استكشاف بدائل محتملة للتعامل مع الزيادات الهائلة المتوقعة في التعريفات الجمركية الأمريكية على المنتجات الصينية.
هل تنجح الصين في امتصاص "صدمة ترامب" عبر التعهّد بمنتجاتها الجاهزة إلى سوق، مثل فيتنام، والتي قد تكون أقلّ تأثراً في ظل ترامب، كما يُتوقع لها أن تكون مركزاً تجاريا رئيسيا؟ أم هل تلجأ دول عدة إلى نقل أعمالها إلى السوق الفيتنامية لما تتمتع به من عوامل وتسهيلات جاذبة؟
📉
لماذا تعتبر الصين في تحدّ اقتصادي حقيقي مع عودة ترامب؟ بشكل مبسط، لن يكون في مقدور الكثير من المصنّعين الصينيين تحقيق أرباح من صادراتهم إلى السوق الأمريكية. ويصف اقتصاديون خطط ترامب الرامية إلى زيادة التعريفات الجمركية بعبارة حرب التعريفات الجمركية - الجزء الثاني، وذلك بعد أن فرض الجمهوريون تعريفات جمركية مرتفعة بنسبة 25% على عدد من البضائع الصينية إبان الفترة الرئاسية الأولى لترامب، ما دفع بكين إلى الردّ بالمثل والإعلان من جهتها عن تعريفاتها الجمركية الخاصة. وفي حال نُفّذت تعريفات ترامب الجمركية الجديدة، ستتسبب في تعطيل كبير لسلاسل التوريد إلى السوق الأمريكية، وقد ينتهي الأمر بتوقُّف العديد من الصادرات الصينية. وفي يوم الاثنين الماضي، تعهّد ترامب في أول يوم له في البيت الأبيض بفرض 25% من التعريفات الجمركية على كافة البضائع الواردة من المكسيك وكندا، وبفرض 10% تعريفات إضافية على البضائع الواردة من الصين، كمجرد بداية فقط. هذا التعهّد من جانب ترامب أسفر عن صعود الدولار الأمريكي؛ سواء أمام الدولار الكندي، حيث ارتفع بنسبة 1%، أو أمام البيزو المكسيكي، حيث ارتفع بنسبة 2%.
🇨🇳
البحث عن سوق بديلة للصين قد تتجه الشركات الأجنبية إلى البحث عن بديل آخر للصين في سبيل الوصول إلى السوق الأمريكية، وذلك في ظل خضوع أرباح هذه الشركات لضغوط هائلة. ولا يتمثل الوضع المالي للشركة في مقدار الدخل الذي تجمّع لديها في ختام تقريرها السنوي فحسب؛ فإلى جانب الربح الصافي، هناك الربح الإجمالي والربح التشغيلي. هذه المعايير التي يُقاس بها الربح ستتأثر ولا شك بتراجُع الطلب على البضائع المصنّعة في الصين من جانب الأسواق الأمريكية. هذا بدوره، سيدفع المستثمرين الأجانب إلى البحث عن بديل للصين يمكنهم أن يجدوا فيه تعريفات جمركية شديدة الانخفاض حال دخول بضائعهم إلى السوق الأمريكية، وذلك هرباً من سيناريو الخسارة الكارثي.
🇻🇳
لماذا تعتبر فيتنام مرشحا قويا لجذب المورّدين الأجانب للسوق الأمريكية؟
على مدى السنوات الثلاث الماضية، برزت فيتنام كمصدر مهم للواردات الأمريكية، في حين تراجعت الواردات من الصين للولايات المتحدة. وترتبط الولايات المتحدة وفيتنام باتفاقية تجارة ثنائية، والتي استغرق إبرامها خمس سنوات من التفاوض بين الجانبين.
وتغطّي هذه الاتفاقية تجارة السلع وحماية حقوق الملكية الفكرية وتجارة الخدمات وحماية الاستثمارات وتسهيل الأعمال التجارية والشفافية. ويمكن تلخيص أهم بنود اتفاقية التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة وفيتنام على أنها التزام من جانب طرفيها بتهيئة كل منهما للظروف الضرورية بما يمكّن سِلع وشركات أعمال ومواطني كل طرف من دخول سوق الطرف الآخر والتنافس فيه على نحو عادل. علاوة على ذلك، فإنه من مصلحة الولايات المتحدة الحفاظ على علاقات تجارية طيبة مع فيتنام؛ ذلك أن الأخيرة تعتبر مستوردا أساسياً للغاز الطبيعي المُسال الأمريكي. وفي عام 2023، أصبحت الولايات المتحدة أكبر مُصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. وربما كان من المفيد في هذا الصدد الإشارة أيضا إلى أن منظمة ترامب دخلت في شراكة مؤخراً مع شركة فيتنامية بقيمة 1.5 مليار دولار لتطوير ملاعب غولف، فضلاً عن مشاريع سياحية في فيتنام.
أيضاً، تجدُر الإشارة إلى أن الفارق بين تكلفة العمالة في الصين وفيتنام هو فارق كبير. ويُقدّر متوسط أجر ساعة واحدة من العمل لعُمّال المصانع في فيتنام بنحو 5 دولارات في الساعة، في مقابل 9 دولارات في الصين.
🔄
كيف يمكن للصين أن تندمج في سلاسل التوريد الفيتنامية إلى الولايات المتحدة؟
يمكن للكثير من الشركات الصينية والأجنبية أن تستفيد من فيتنام بالتعامل معها كموقع لتجميع البضائع المُصنّعة في الصين. على أنْ يكون ذلك بالاتساق مع ما يُعرف بـ قواعد المنشأ المعمول بها في فيتنام، والتي تسمح بوَسْم المنتجات بعبارة صُنع في فيتنام إذا كانت هذه المنتجات تحتوي بما لا يقلّ عن 30% على مواد فيتنامية محلية. ويعدّ ذلك من قبيل تذليل عقبة التعريفات الجمركية الأمريكية بطريقة قانونية، ولكنها لن تحقق نسبة الأرباح للشركات الصينية جراء تصديرها مباشرة إلى السوق الأمريكية بدون وسيط. وبالرغم من ذلك، قامت العديد من الشركات الصينية، بينها شركات مورّدة لأبل، بتدشين مصانع في فيتنام خلال العامين الماضيين، فيما يبدو أنه كان بمثابة إجراء احترازي من عودة ترامب. |
|
|
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2024، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |