|
|
شهدت عُملات بلدان كثيرة حول العالم انخفاضا في قيمتها؛ الليرة التركية على سبيل المثال، انخفضت بأكثر من 80% منذ 2018، كما فقَد الجنيه المصري أكثر من 40% من قيمته في سلسلة من التخفيضات شهدها مؤخرا. وفي يوليو، فقَد البير الإثيوبي أكثر من 30% من قيمته عندما أرخت الحكومة قبضتها على سعر الصرف.
السؤال هنا ⁉️ هل هذه الانخفاضات في قيمة العملات تُعتبر فرصة ذهبية للمستثمرين السعوديين أم أنه ينبغي عليهم الابتعاد عن مثل هذه الأسواق تماما؟
تخفيض العُملة، هو تراجُع مفاجئ في قيمتها يناهز 10% أو أكثر في مدى شهر واحد، بعد إقدام حكومة البلد على تغيير سياستها النقدية، وهي خطوة عادة ما يتبعها مزيد من الخفض لقيمة العملة.
🪙 ومع تراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار أكثر فأكثر، يزداد عجز الموازنة، والذي يتسبب بدوره في خلْق مشكلات خطيرة بميزان المدفوعات، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إنهيار العُملة. وفي تقريرنا هذا، نركّز على شيئين هما: ● أسواق الأوراق المالية ● الشركات المحلية في البلدان التي تخفض قيمة عُملتها بشكل كبير؛ والتي ربما يمتلك فيها المستثمرون السعوديون استثمارات كبيرة أو صغيرة. وتشير السوابق التاريخية بقوة إلى أن تراجُع قيمة العملة في بلد ما، هو من حيث المبدأ، يُعتبر فرصة للمستثمرين، بينما هو نذير بالخطر للشركات المحلية على وجه الخصوص.
(ملحوظة: نشرة أرقام ويك اند البريدية لا تقدم نصيحة في الاستثمار بقدر ما تُعتبر منصة للنقاش ولتناول موضوعات مالية واستثمارية بشيء من العُمق. فإذا كنت في ريب من أمرك، فلك أن تطلب النصيحة من مستشار مالي مستقل).
ما الذي يحدث عادة لسوق الأوراق المالية في بلد يقوم بخفض قيمة عُملته المحلية بسبب تعرُّضه لمشكلات مالية؟ ما نمط المستثمرين الأجانب في هذا البلد؟ وما المخاطر التي تهدد الشركات المحلية؟ وأخيرا، ما الذي يحدث لديون الشركات عندما تشهد العملة انخفاضا حادا؟ 😨
مزيج الخوف والذعر والناتج المحلي الإجمالي في بلد مرشّح بقوة للنمو الاقتصادي، يعدّ الخفض الأول للعملة، على وجه التحديد، مبشراً بآثار إيجابية على الأسهم في المدى الطويل. وذلك لأن هذا الانخفاض في قيمة العملة يزيد من إقبال المستثمرين على شراء الأسهم. فكيف يحدث ذلك؟ الخوف قد يصيب بعض المستثمرين المحليين أو الأجانب بالذعر ويدفعهم إلى بيع الأسهم بأي ثمن. عندئذ تنهار قيمة هذه الأسهم لتصبح فرصة لمستثمرين آخرين يراهنون على حدوث انتعاش كبير بعد أن تهدأ الأسواق أو إذا ما توقعت مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية نمواً في الناتج المحلي لهذا البلد في ظل تراجع أسعار صادراته. لكن هناك نوع آخر من المستثمرين في تلك الظروف، وهم من يشترون الأوراق المالية التي تشهد أسعارها صعوداً ثم يبيعونها عندما تصل إلى أعلى مستوى محتمل لها. والهدف هو الاستفادة من فكرة أن الأسهم القوية ستواصل الصعود، بينما الأسهم الضعيفة ستواصل الهبوط. ونحن هنا نوصي المحللين الماليين والباحثين بعمل دراسات مفصّلة تستند إلى قاعدة من البيانات الكمية قبل الإجابة على الأسئلة التالية: ● ما مقدار الخسارة التي تكبدها المستثمرون في الأشهر الأولى بعد خفض قيمة العملة؟ ● كم كان سيجني المستثمرون من أرباح لو أنهم كانوا قد استثمروا قبل شهر من قرار خفض العملة (في حال توفر معلومات وبيانات لهم)؟ ● وما مقدار ما تكبدوا من خسائر أو جنوا من أرباح في أسهُمهم على مدى الـ 12 شهرا التالية لعملية خفض العملة؟ ولا تزال هذه الأسواق تمتلك أسبابا قوية للنمو في أعين المستثمرين نظرا لما تمتلكه من قاعدة استهلاكية عريضة. بلدٌ مثل مصر، على سبيل المثال، هو الأكبر من حيث عدد السكان في العالم العربي بأكثر من 100 مليون نسمة. وثمة عامل جذب آخر للمستثمر فيما يتعلق بانخفاض قيمة العملة في بلد ما، وهو الزيادة المتوقعة في أسعار الفائدة، وهي خطوة تُقدم عليها البنوك المركزية لجذب المستثمرين بالأساس. ![]() 🚨
ما المخاطر التي تهدد الشركات المحلية في بلد تشهد قيمة عُملته انخفاضا؟ إن عدم استقرار العُملة، لا سيما في بلاد اضطرت إلى خفض قيمة عُملتها نظراً للأسباب الموضحة في الرسم البياني التالي، من شأنه أن يؤثر بالسلب على ربحية الشركات في بيان ميزانياتها العمومية. وأحد الأسباب الرئيسة وراء ذلك هو سعر النفط والغاز. وإذا كان بلد ما يعتمد على استيراد النفط والغاز، فإن ارتفاع سعرهما يؤثر بالسلب على الاقتصاد الوطني لهذا البلد؛ ذلك أن النفط والغاز يدخلان في العديد من الصناعات والخدمات، وإذا ما ارتفع سعرهما، ارتفعت معه تكلفة كل ما يرتبط بهما من منتجات وخدمات. ويدخل النفط ومشتقاته بشكل كبير في خدمات النقل والصناعات البتروكيماوية على سبيل المثال، كما يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على تكلفة عمل الشركات، هذا على صعيد الاقتصاد الجزئي.
⚠️
ما الذي يحدث لديون الشركات عندما تشهد العملة انخفاضا حادا؟
إذا ما اضطرت شركات محلية في بلد ما في الاقتراض بعملات أجنبية، فإن أعباء الاقتراض على هذا البلد يمكن أن تقوّض الاستقرار المالي لتلك الشركات، عندما تنخفض العملة المحلية بشدة. لنأخذ تركيا كمثال، حيث فقدت الليرة التركية أكثر من 33% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي عام 2018، وذلك على أثر خلافات دبلوماسية وسياسية حادة بين الحكومة التركية من جهة والرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب. وبسبب الفرق الهائل بين العملتين، تقدمت شركة يلدز القابضة، واحدة من أكبر وأنجح الشركات التركية، بطلب لإعادة هيكلة ديون ناهزت قيمتها 7 مليارات دولار. وعموماً، إذا كان حجم الدين كبيرا جدا فإن ذلك يمكن أن ينتهي بالشركة إلى الإفلاس؛ إذْ ستعاني من أجل الوفاء بالتزامات ديونها في ظل التفاوت الهائل في أسعار الصرف بين الدولار والعملات الأخرى. وختاما، فإن ما سبق، لا ينسحب بالضرورة على كل بلاد العالم؛ فعلى سبيل المثال، الولايات المتحدة والصين حاليا (والمملكة المتحدة وألمانيا في مرحلة تاريخية سابقة)، انخفاض العملة فيهما لا يأتي بنتيجة سلبية، بل على النقيض مما تمّت الإشارة إليه في بلدان أخرى؛ لأن تلك الدول تقدم على تخفيض عملتها بسبب قوتها لتعزيز التصدير، وليس بسبب سياسات مالية خاطئة. ![]() |
|
|
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2024، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |