|
|
رغم الإنجاز الرائع لنادي نيوكاسل يونايتد المملوك للسعودية وتحقيقه للمركز الثالث في الدوري الإنجليزي الممتاز، فإن هذا لا يعني بالضرورة الربحية عند إعلان النتائج المالية للموسم 2024/2025. ففي حين أن تحقيق مركز متقدم في الدوري الإنجليزي الممتاز غالبا ما يعزز تدفق الإيرادات، مثل حقوق البث، والرعاية، ومبيعات أيام المباريات، فإن هذه المصادر الهامة للدخل قد نقرأها بصورة متعمقة إذا وضعنا في الاعتبار نفقات النادي، وهذه ظاهرة لا تقتصر على نيوكاسل يونايتد فحسب، بل تشمل تقريبا جميع أندية الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم “بريمير ليغ”. فالتكاليف التشغيلية المرتفعة، وخاصة أجور اللاعبين، ورسوم انتقالاتهم بين الأندية، ورواتب الموظفين، وغير ذلك من النفقات التشغيلية، تميل غالبا إلى التصاعد بالتزامن مع تحقيق الإنجازات الرياضية، وهي تكاليف قد تعادل في كثير من الأحيان الإيرادات الإضافية الناتجة عن تحسين مراكز الفريق في بطولة الدوري. ![]() ومنذ استحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على حصة الأغلبية في نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي في أكتوبر 2021، جرى تخصيص 440.8 مليون جنيه إسترليني لنفقات النادي، أغلبها لإبرام الصفقات ودفع الاستحقاقات النقدية وعلى رأسها رواتب الفريق وإدارته. ويعزز هذا التمويل من قدرة النادي على الاستثمار في اللاعبين، وفي الأصول الأخرى طويلة الأجل، مما يدعم نمو النادي وتطوره. وقد رفع صندوق الاستثمارات العامة حصته في النادي الإنجليزي في شهر يوليو الماضي إلى 85%. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، بلغ صافي إنفاق نادي نيوكاسل نحو 492.2 مليون جنيه إسترليني، وهو خامس أعلى معدل إنفاق بين جميع أندية الدوري الممتاز في إنجلترا. ويهدف هذا التحليل من أرقام إلى التأكيد على أن العامل الرئيسي الذي يؤثر على الاستقرار المالي لأندية الدوري الإنجليزي الممتاز، مثل مانشستر سيتي، وليفربول، ونيوكاسل يونايتد، هو الإدارة المالية الفعالة، والإنفاق الاستراتيجي، وليس النجاح الرياضي وحده. ومن ثم هناك دور جوهري لما يعرف بقواعد الربح والاستدامة في الدوري الإنجليزي الممتاز في تشكيل المشهد المالي للأندية المشاركة في هذه البطولة، وذلك من خلال تنظيم قدرة هذه الأندية على الإنفاق. وقد وُضعت هذه القواعد لتعزيز المسؤولية المالية وضمان الاستدامة المالية طويلة الأجل في الأندية المشاركة في هذه البطولة، مما يمنع تراكم الديون الكبيرة عليها، وسوء الإدارة المالية. ![]() وفي هذا التحليل، سنتناول أحدث البيانات المالية الصادرة عن نادي نيوكاسل يونايتد، لتقديم نظرة شاملة على الأداء المالي للنادي في الموسم الماضي. كما سنحلل، على وجه التحديد، الإيرادات التي تحققت، ونقارنها بالخسائر. ونحن نهدف من وراء ذلك إلى فهم العوامل التي أثرت على النتائج المالية للنادي الإنجليزي في الموسم الماضي، ولذا، سيلقي هذا التحليل المفصل الضوء على الاستقرار المالي للنادي، ويساعد في تحديد مجالات التطوير المحتمل مستقبلاً. ![]()
🔍 تقدير قيمة الأصل في كرة القدم يبدأ تحليلنا بالأخذ في الاعتبار بأن أنشطة الاستثمار في كرة القدم تمر بنفس الدورة الأساسية التي يمكن ملاحظتها في أنشطة الاستثمار المالي الأوسع نطاقا، والتي تتميز بأربع عمليات دقيقة، وهي: تحديد الأفق، والهدف، والتآزر، وخلق القيمة. ويشير مصطلح تحديد الأفق إلى المدة التي يحتفظ فيها المستثمر بالأصل، بينما تشمل عملية الاستهداف تلك العوامل المؤثرة على المستثمرين للدخول في مجال كرة القدم، وتستكشف عملية التآزر تحقيق الفوائد المحتملة من أنشطة النادي مجتمعة، وتركز عملية خلق القيمة على المحركات والعوامل المحتملة لإضافة قيمة للنادي. ولعل ما يميز استثمارات أندية كرة القدم هو الأهمية القصوى لقيمة الأصل ، وهذا يشمل علامة النادي التجارية، والقاعدة الجماهيرية التي يتمتع بها، وأدائه على أرض الملعب، بالإضافة إلى المقاييس المالية الخاصة به. وعلى عكس الاستثمارات التقليدية حيث قد تعتمد قيمة الأصل فقط على التقييم السوقي أو نظرية العرض والطلب، فإن القيمة الجوهرية للنادي في مجال كرة القدم كأصل مهم تتداخل بشكل وثيق مع الإدارة المالية السليمة للنادي، ونجاحه الرياضي، ومدى جاذبيته الاجتماعية، وإمكاناته التجارية، وهو ما يتجلى بالفعل في النتائج المالية لنادي نيوكاسل يونايتد. ![]() ارتفعت قيمة نادي نيوكاسل يونايتد بشكل ملحوظ منذ استحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على 80% من أسهمه من رجل الأعمال البريطاني مايك آشلي في عام 2021، مقابل 305 ملايين جنيه إسترليني. وتُقدر قيمة النادي الآن بأكثر من مليار جنيه إسترليني، مما يضعه في مصاف أندية كبرى مثل إيه سي ميلان، الذي بيع مقابل 1.3 مليار دولار في عام 2022. ومن الأمثلة الأخرى أيضا نادي تشيلسي، حيث حصل مالكه السابق رومان أبراموفيتش على 2.5 مليار جنيه إسترليني عندما باع النادي عام 2022، وذلك مقارنة بقيمته عندما اشتراه أول مرة في عام 2003 مقابل 140 مليون جنيه إسترليني فقط، وهو ما يُمثل نموا سنويا بنسبة 16% تقريبا، أو 13% بعد تعديل نسبة التضخم.
📈 نجاح نيوكاسل يونايتد ما بعد الاستحواذ للعام الثالث على التوالي بعد الاستحواذ الذي أتمه صندوق الاستثمارات العامة السعودي، سجل نيوكاسل يونايتد رقما قياسيا جديدا في الإيرادات، والتي بلغت 320.3 مليون جنيه إسترليني. ويمثل ذلك زيادة بنسبة 28% (70 مليون جنيه إسترليني) على أساس سنوي، استنادا إلى آخر بيان مالي نشره النادي. كما ارتفع الدخل التجاري للنادي بنسبة مذهلة بلغت 90%، من 43.9 مليون جنيه إسترليني إلى 83.5 مليون جنيه إسترليني. وعلى وجه التحديد، وفي إطار أداء نيوكاسل يونايتد في السنة المنتهية في 30 يونيو 2024، كان الدخل التجاري للنادي يُعزى بشكل رئيسي إلى صفقات الشراكة الجديدة والمطورة مع شركات مثل سيلا (Sela)، ونون (Noon)، وفينويك (Fenwick)، وإنبوست (InPost)، وأديداس (Adidas). ذلك بالإضافة إلى إطلاق مبادرات جديدة مثل عمليات البيع بالتجزئة داخليا (وهذا يعني أن النادي يتولى مباشرة بيع البضائع، بما في ذلك الأطقم الرياضية، والملابس، والمنتجات الأخرى ذات العلامات التجارية، من خلال متاجر البيع بالتجزئة الخاصة به والمتجر الإلكتروني للنادي، وقنوات التوزيع الأخرى)، إلى جانب طرح قميص جديد للنادي. وقد نمت إيرادات النادي في أيام المباريات بنسبة 32%، من 37.9 مليون جنيه إسترليني إلى 50.1 مليون جنيه إسترليني. ارتفعت إيرادات البث بنسبة 11% فقط (18.3 مليون جنيه إسترليني) لتصل إلى 184 مليون جنيه إسترليني. ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى حلول نيوكاسل في المركز السابع (بعد أن كان في المركز الرابع) في الدوري الإنجليزي الممتاز في الموسم الماضي، كما تراجعت وتيرة بث مبارياته، مما أدى إلى انخفاض إيراداته المحلية بمقدار 9.6 مليون جنيه إسترليني. ولكن حصوله على المركز الثالث هذا الموسم سيرفع حتما من بند إيرادات البث مع بداية الموسم الجديد إذ بات مجددا في مصاف “الستة الكبار”، وهي اندية ليفربول، مانشستر سيتي، مانشستر يونايتد، تشيلسي، ارسنال، وتوتنهام هوتسبير. وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، حقق نادي نيوكاسل يونايتد المركز الثاني عشر من حيث أعلى دخل (106.4 مليون جنيه إسترليني) تحقق من أرباح بيع اللاعبين في الدوري الإنجليزي الممتاز.
💵 تفوق الإيرادات على الرواتب على الرغم من ارتفاع فاتورة الأجور بشكل ملحوظ، فإن نمو الإيرادات تجاوز نمو تكاليف الأجور، مما يعني أن إنفاق النادي على الأجور أصبح أكثر استدامة وكفاءة نسبيا في دعم أدائه المالي الأوسع. وعلى وجه التحديد، نمت الإيرادات بنحو 70 مليون جنيه إسترليني، أي بنسبة 28%، بينما نمت الأجور بنحو 33.6 مليون جنيه إسترليني، أي ما يقارب 18%. ويظهر نمو فاتورة الأجور بنسبة 18% (من 185.1 مليون جنيه إسترليني إلى 218.4 مليون جنيه إسترليني) في البيانات المالية للنادي كتكاليف خاصة بالموظفين. وبالتالي، بلغت نسبة الأجور إلى الإيرادات في النادي 68% في الموسم الماضي. وفي سياق كرة القدم الاحترافية، وخاصة في نادٍ ينافس في الدوري الإنجليزي الممتاز ويشارك في مسابقات أوروبية مثل دوري أبطال أوروبا، فغالبا ما يُعتبر انخفاض نسبة تكاليف الموظفين إلى الإيرادات عن 70% دليلا على كفاءة الإدارة المالية نسبيا. كما بلغت نسبة الأجور إلى الإيرادات 95% في موسم 2021- 2022، و74% في موسم 2022-2023.
🔦 حتى النجاح لا يأتي من دون تكلفة إذا استبعدت الدخل الناتج عن انتقالات اللاعبين (وهو أمر بالغ الأهمية في الشؤون المالية لأندية كرة القدم)، فإن نيوكاسل يونايتد كان سيسجل خسارة تشغيلية تبلغ حوالي 68.6 مليون جنيه إسترليني لموسم 2023-2024. فهذا الرقم يمكن مقارنته بالخسائر التي تكبدها النادي في الموسمين السابقين، والتي بلغت حوالي 66 مليون جنيه إسترليني في موسم 2022-2023، ونحو 72 مليون جنيه إسترليني في موسم 2021-2022. وعلاوة على ذلك، فإن الخسارة البالغة 68.6 مليون جنيه إسترليني، قبل الأخذ في الاعتبار إيرادات انتقالات اللاعبين، ستصنف كثامن أعلى خسارة تشغيلية بين جميع أندية الدوري الإنجليزي الممتاز لذلك الموسم. وهذا الأمر يسلط الضوء على أن الخسائر التشغيلية لنادي نيوكاسل يونايتد تعد خسائر كبيرة لكنها تتماشى مع اتجاهات بطولة الدوري الأوسع نطاقا، وخاصة بالنظر إلى الاستثمار الكبير في اللاعبين والبنية التحتية. كما أن ذلك يؤكد على التحديات المالية التي تواجهها حتى الأندية الناجحة على هذا المستوى، ولكنها لم تصل بعد إلى حد خرق قواعد الاستدامة المالية التي يطبقها الدوري الإنجليزي والتي تحدثنا عنها في بداية التحليل. وتعكس تلك الخسارة أيضا التحديات المالية، مثل زيادة النفقات التشغيلية، وتكاليف الإهلاك، والاستثمار في الفريق، والبنية التحتية، والتي فاقت الأرباح رغم نمو الإيرادات. ووفقا لتقرير نُشر في مارس في صحيفة "ذا أثلتيك"، وهي إحدى مطبوعات "نيويورك تايمز" الأمريكية المتخصصة في كرة القدم حصرا، فإنه بدون صفقة بيع اللاعب يانكوبا مينته إلى نادي برايتون آند هوف ألبيون الإنجليزي، وبيع إليوت أندرسون إلى نوتنجهام فورست، مما حقق ما مجموعه 65 مليون جنيه إسترليني لنيوكاسل يونايتد، بالإضافة إلى التسوية المالية التي دفعها مانشستر يونايتد للتعاقد مع مدير نيوكاسل يونايتد دان أشوورث، كان نيوكاسل يونايتد سيواجه خسارة تبلغ 69 مليون جنيه إسترليني قبل احتساب الضرائب، وخرقا لقواعد الربح والاستدامة بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني. وفي إطار قواعد الربح والاستدامة المالية للدوري الإنجليزي، يُسمح بخسائر تصل إلى 105 مليون جنيه إسترليني على مدى ثلاث سنوات فقط، وقد يؤدي تجاوز هذا الحد إلى عقوبات مثل خصم النقاط، أو فرض قيود على التعاقدات. |
|
|
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |