الأسبوع السادس والاربعون > مؤشر قابلية العيش العالمي..
كيف يمكن لبيانات قديمة أن تكون مضلّلة؟





 

مؤشر قابلية العيش العالمي
كيف يمكن لبيانات قديمة أن تكون مضلّلة؟

 

 
✍️ بقلم :اسلام زوين

جاءت القائمة الأخيرة للمدن المئة الأكثر ملاءمة للعيش على مستوى العالم خاليةً من المدن السعودية.
وتعتمد هذه القائمة على مؤشر "قابلية العيش العالمي"، والذي يقيس جودة الحياة في المدن حول العالم، استناداً إلى عدد من المعايير والتقييمات.


وبالمراجعة النقدية لهذا المؤشر، يمكن القول إنه لم يُقدّر المدن السعودية، لا سيما العاصمة الرياض، حقّ قدرها.
وفي اعتقادنا، أن هناك أوجُهَ قصورٍ تعتري هذا المنهج، أدتْ إلى الفشل في رؤية الصورة الكاملة لإنجازاتٍ ملموسة على صعيد جودة الحياة في الرياض، وجدة ومدنٍ سعودية أخرى.
وفاتت بذلك فرصةٌ لتقديم صورة شاملة ومُتّوازنة.

ويصدُر المؤشر عن وحدة التحليل الاقتصادي المتعمق "إيكونوميست إنتلجنس" (إي آي يو)، وقد أشير إليه كمَرجع في تقرير رؤية المملكة-2030 الأخير تحت فقرة مؤشر قابلية العيش.
وكان من المستهدف وجودُ مدينة سعودية واحدة على الأقل على قائمة أفضل 100 مدينة حول العالم في 2024، على أنْ يصل عددُ المدن السعودية في تلك القائمة إلى ثلاث في عام 2030.




ويأتي غياب المدن السعودية عن مؤشر قابلية العيش العالمي، على الرغم من الأداء الجيّد للغاية الذي ظهرت به المملكة على المؤشر العالمي للسعادة؛ إذْ حققت السعودية 6.6 – فوق المُعدّل العالمي عند 5.53، وأيضاً فوق معدّل منطقة الخليج عند 6.4.
وتقدّم هذه الأرقام مُبرراً كافياً للحاجة إلى عمل مراجعة نقدية للمنهجية المُتّبَعة في قياس المؤشر.

ويُظهر الشكل التالي تصنيف المملكة العربية السعودية في المؤشر العالمي للسعادة.
ويعكس هذا التصنيف جهوداً متكاملة بُذلت على مستوى العديد من المحاور الرئيسية - التي يقوم عليها بالأساس مؤشر قابلية العيش العالمي.
هذه المحاور هي: الرعاية الصحية، والإسكان، والاستقرار السياسي والاقتصادي وتنمية القدرات البشرية.




ويقوم مؤشر "قابلية العيش العالمي" على خمسة محاور، هي:
● الاستقرار
● الرعاية الصحية
● الثقافة والبيئة
● التعليم 
● البنية التحتية

وشهدت إمكانية الوصول إلى المعلومات، عبر مختلف القطاعات في المملكة العربية السعودية تحسُّناً، بما في ذلك القطاع التعليمي.
ولا تزال هناك ثلاث جامعات سعودية مصنّفة بين أفضل 200 جامعة حول العالم، وفقاً لمؤشرات دولية كبرى بينها، مؤشر شنغهاي للجامعات، ومؤشر مجلة تايمز للتعليم العالي، ومؤشر كيو إس للجامعات العالمية.


وفي هذا الصدد، تقدّمت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن من المرتبة الـ 180 إلى المرتبة الـ 101 على مؤشر شنغهاي للجامعات في العام الماضي.
وثمة أربع جامعات سعودية مصنّفة حاليا ضمن أفضل 500 جامعة عالميا، ما يعكس تحسُّنات واسعة النطاق في قطاع التعليم العالي وفيما يتعلق بإتاحة الوصول للبيانات.

وفي قطاع الرعاية الصحيّة، والذي من المفترض أنه يمثّل أحد أهم عناصر مؤشر الإيكونوميست المثير للجدل (قابلية العيش العالمي)، مثله مثل التعليم قامت منظمة الصحة العالمية بتحديث منهجية القياس التي يستخدمها المؤشر، وذلك من أجل ضمان درجة أعلى من الدقّة والمواءمة مع المقاييس العالمية.
وبموجب هذا التحديث، أصبح متوسط العمر المتوقع هو 77.06 سنة، على نحو ما هو موضح بالشكل أدناه.

وتجدُر الإشارة إلى أن متوسط العمر المتوقع في المملكة العربية السعودية بلغ 78.8 سنة في عام 2023، متجاوزاً الأهداف قبل موعدها المحدد، ما يضع المملكة في المركز الـ 11 بين مجموعة دول العشرين.
هذا التقدُّم إنما يعكس إصلاحات في نظام الرعاية الصحية، كما يعكس تحسُّناً في مجال الرعاية الوقائية، وتحسّناً في مجال التغذية، والتوعية الصحية العامة، فضلاً عما يعكسه من تحوّل صوب الخدمات المجتمعية.


❓❓
فجوة البيانات… كيف يمكن للبيانات القديمة أن تكون مضلّلة للتصنيفات العالمية

هذا التفاوت يشير إلى احتمال وجود أوجه قصور في المعايير أو في مصادر البيانات التي يستخدمها مؤشر قابلية العيش العالمي.
وربما تسبب ذلك في الفشل في الإلمام بكافة الأوجه المتعدّدة الأبعاد لجودة الحياة الحضرية، والتي تُسهم بدورها في جودة الحياة بشكل عام في العديد من المدن السعودية.

 وإذا ما اعتمد المؤشر بشكل كبير على معايير ثابتة ومحدَّدة مسبقاً، أو على بيانات قديمة، فإن ذلك بطبيعة الحال يسيئ إلى بلد يشهد تطوراً بوتيرة سريعة كالسعودية أو حتى يظلم هذا البلد.
وقد أثمرت الاستثمارات في السعودية مؤخراً، في البنية التحتية الحضرية والخدمات الاجتماعية، عن تحسين جودة الحياة.

وتجدُر الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية تمكّنت في غضون سنوات معدودة، في العديد من مُدنها، لا سيما الرياض، من تطوير بيئات آمنة ومتاحة للنشاط البدني، ومن القيام باستثمارات مستدامة في البِنية التحتية الرياضية العامة، ومن إنشاء متنزّهات ومسارات مُخصّصة لممارسة الرياضة البدنية.




وفي فبراير، افتتحت السعودية المرحلة الأولى (87 كم) من المسار الرياضي (سبورتس بوليفارد)، فيما يُعدّ علامة فارقة في تحوّل الرياض إلى وجهة عالمية لنمط الحياة العصري والرياضي.
وتجدُر الإشارة إلى أن هذا المشروع، الذي هو جزء من رؤية المملكة 2030، يعود إلى عام 2019 وبرنامج جودة الحياة لعام 2030 – عبر إنشاء مدن أكثر اخضراراً واستدامة بما يشجّع على المشاركة في ممارسة أنشطة رياضية، مثل المشي وركوب الدراجات وركوب الخيل.

وفي غضون عامين اثنين هما 2022 و2023، تجاوز مؤشر النشاط البدني للبالغين (فوق 18 سنة) -وفقا لرؤية 2030- الأهداف التي كان مرجوّاً تحقيقها في عام 2027.
وجاء هذا الإنجاز مدفوعاً بأحداث رياضية، مثل ماراثون الرياض.
وتكتمل هذه الجهود عبر مبادرات لرعاية المواهب الرياضية، وعبر حِرْص المملكة على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى، وعلى رأسها كأس العالم 2034.

 
🔍
عندما تغلب المشاعر على الحقائق… الجذور غير الموضوعية للمؤشر

ربما اعتمد مؤشر قابلية العيش العالمي على تصورّات فردية وتقارير ذاتية - والتي يمكن أن تتأثر بالتحيّزات الشخصية، وبالاختلافات الثقافية والمزاجية، وباختلافات تفسير الأسئلة التي قد ترِد في الاستبيانات.
على سبيل المثال، اختلاف مفهوم الأشخاص عن الرفاهية بين لندن والرياض قد يؤثّر على الطريقة التي يجيب بها هؤلاء الأشخاص عن نفس الأسئلة في نفس الاستبيان.

ففي المملكة العربية السعودية، يُنظَر باحترام شديد إلى مفاهيم ثقافية مثل الوئام الاجتماعي والكرامة الأُسرية والتديُّن – ويمكن أن تشكّل هذه المفاهيم تصوُّرات عن الرفاهية.
ويمكن للمشاركين السعوديين في الاستبيانات أن يروا في تكرار التجمّعات العائلية، أو في المشاركة في المناسبات الاجتماعية، أو في الالتزام بالشعائر الدينية – مؤشرات على جودة التفاعُل الاجتماعي، ما يجعلهم يضعون تقييما عالياً من الرضاء، حتى لو كانت تفاعلاتهم الاجتماعية خارج نطاق العائلة محدودة.

أما الشخص الذي يعيش في لندن، في المقابل، فقد يفسّر مفهوم التفاعُل الاجتماعي على نحو مغاير، بما يعكس المعايير المجتمعية الغربية التي تضع الأولوية لاستقلالية الفرد عن العائلة.
وهكذا، فإن السؤال الواحد في الاستبيان الواحد يمكن أن يفسَّر على نحو مغاير؛ فما يعتبر تفاعُلا اجتماعياً جيداً في لندن، قد ينطوي على سلوكيات وعلاقات يُنظر إليها على نحو مختلف في الرياض.

 وبناء عليه، فإن تفسير المؤشر للرفاهية، لا سيما فيما يتعلق بقياس التفاعُل الاجتماعي، قد يتأثر بالسياق الثقافي.
فإذا كانت أدوات القياس النفسية أو المعايير التي يستخدمها المؤشر قائمة على معايير مجتمعية لندنية أو غربية على سبيل المثال، فإن هذه الأدوات أو المعايير لا تعكس بشكل كامل ودقيق التفاعُل الاجتماعي والرفاهية في مجتمعات أخرى كالمجتمع السعودي.

وفوق ذلك، وفي ختام هذا التحليل، تجدُر الإشارة إلى أن هذه التقييمات الذاتية قد لا تتوافق دائما مع المؤشرات الموضوعية الدالة على الرفاهية، كمستوى الدخل – والذي يُعدّ عاملاً حاسماً في أي مؤشر لقابلية العيش.
على سبيل المثال، شهد عام 2024، زخماً قوياً في القطاعات غير النفطية، وأدّى التوسع المستمر في الاستثمار ومشاركة القطاع الخاص إلى زيادة قياسية في حصة الأنشطة غير النفطية من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.




ويواصل التحوّل في سوق العمل تحقيق نتائج ملموسة. وينعكس ذلك على انخفاض معدل البطالة في السعودية إلى 7%، ما يعكس بدورِه توفير فُرص عمل عالية الجودة في مختلف القطاعات وتحسين مشاركة القوى العاملة.
وهذا يُعدّ مقياسا رئيسياً آخَر لمؤشر قابلية العيش العالمي عند تعيين أفضل 100 مدينة حول العالم.

ايضاً الأمان في السعودية، هو مثال آخر على تجاهُل مؤشر الإيكونوميست (قابلية العيش العالمي) لهذه الميزة الاجتماعية الفريدة التي تنعم بها المملكة العربية السعودية. 
وتوفّر السعودية بيئة آمنة لكل المواطنين، والمقيمين والزائرين – وذلك عبر تدابير أمنية فاعلة، تضع المملكة في المرتبة الأولى بين دول مجموعة العشرين على مؤشر الأمان، حيث تشعر نسبة 92.6% من المقيمين في المملكة بالأمان.

 وانخفض معدّل جرائم القتل العمد في السعودية من 1.5 لكل 100 ألف نسمة في عام 2017 إلى 0.77 في عام 2024، متجاوزاً الهدف بنحو 130%.
كما بلغ معدل السلامة لشبكة الطرق الوطنية السعودية في العام الماضي 80%.

ومرة أخرى، فإن كل هذه المعدلات الإيجابية والمتقدمة -والتي منحتْها منظمات دولية مستقلة للمملكة العربية السعودية-، يبدو أنها غابت بشكل واضح لدى إعداد مؤشر قابلية العيش العالمي. 
وعليه، ومما سبق، فإننا نرى أنّ غياب المدن السعودية عن مؤشر قابلية العيش العالمي 2024، يشير إلى أوجُه قصور في منهجية هذا المؤشر.
وهذا بدوره يؤكد ضرورة الحاجة إلى وجود معايير للتقييم تكون أكثر شمولاً ومرونةً ومراعاة للاختلافات الثقافية والمجتمعية.

وأخيراً، فإن مراجعة أوجُه هذه القصور وتنقيحها كفيلٌ بتعزيز قدرة المؤشر على أن يعكس على نحوٍ دقيق واقعَ المدن، ولا سيما مُدن المملكة العربية السعودية.


أقرأ أيضــــاً
مشروع تسلا في السعودية…
خطوة رمزية أم خطة استراتيجية؟


افتتحت شركة تسلا للسيارات الكهربائية صالات عرض في الرياض، وجدة والدمام بالمملكة العربية السعودية.
فكيف ستؤثر مثل هذه الخطوة من جانب تسلا، بما لها من قيمة رمزية، على أداء السوق السعودي وعلى استراتيجية الشركة الأمريكية، في إطار مشهد اقتصادي وجيوسياسيّ مُعقّد - لا سيما مع وجود إيلون ماسك المثير للجدل، وفي ظل حرب الرسوم الجمركية المحتدمة بين الولايات المتحدة والصين؟
استكشف التقرير
نادي نيوكاسل…
بيان الربح والخسائر لموسم 2023-2024 ونمو لافت في قيمة الأصل


رغم الإنجاز الرائع لنادي نيوكاسل يونايتد المملوك للسعودية وتحقيقه للمركز الثالث في الدوري الإنجليزي الممتاز، فإن هذا لا يعني  بالضرورة الربحية عند إعلان النتائج المالية للموسم 2024/2025.
استكشف التقرير
Facebook
Twitter
LinkedIn
Instagram
YouTube
حمل تطبيقاتنا
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة