|
|
مصانع التقنيات الفائقة ومنشآت التصنيع الكبرى قيد الإنشاء في المملكة العربية السعودية في مناطقها الصحراوية خارج المدن الكبرى، يمكنها أن تعيد تشكيل القطاع العقاري في المملكة. وهذا التطور الملحوظ لا يقتصر تأثيره على إعادة توزيع النمو السكاني فحسب، بل إنه يلعب دوراً مهماً أيضا في استقرار القطاع العقاري في المملكة بشكل عام، وذلك من خلال التأثير على حجم الطلب على المنازل في المدن الحضرية كما سنوضح في تحليلنا. ![]()
فعلى سبيل المثال لا الحصر، أعلنت شركة أشعل لتقنيات الإضاءة المتعددة، أنها حصلت على أرض في المدينة الصناعية بشقراء، الواقعة على بعد 180 كيلومتر شمال غربي العاصمة الرياض، لإنشاء مركز إقليمي كبير لصناعة وتقنيات الإضاءة. ![]()
كما تقوم مجموعة هيونداي موتور، ثالث أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم من حيث حجم المبيعات، ببناء مصنع ضخم لها بالاشتراك مع صندوق الاستثمارات العامة، في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، على بعد 100 كيلومتر شمالي جدة، ومن المتوقع أن يبدأ هذا المصنع في إنتاج السيارات في عام 2026. ![]()
كما تقوم شركة بيريللي (Pirelli) الإيطالية العملاقة ببناء مصنع لإنتاج الإطارات كجزء من مشروع مشترك مع صندوق الاستثمارات العامة أيضاً، وذلك في المدينة الصناعية على البحر الأحمر، على بعد حوالي 300 كيلومتر شمال غربي جدة، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل هذا المصنع في عام 2026. ويؤدي ظهور هذه المراكز الصناعية الكبرى في المملكة إلى جذب مجموعات كبيرة من العمال ذوي المهارات العالية من المواطنين السعوديين والوافدين على حد سواء، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على المساكن والمساحات التجارية بالقرب من هذه المنشآت. وقد سجّل مؤشر الإنتاج الصناعي في السعودية زيادة سنوية بنسبة 2.1% في ديسمبر 2024، مقارنةً بعام 2023، مدفوعاً بارتفاع في نشاط التصنيع. كما برز قطاع التصنيع كمحرك رئيسي للنمو، حيث سجل زيادة سنوية بنسبة 6.3 %، كما هو موضح في الرسم البياني أدناه. ![]()
🧑🧑🧒🧒 التحول السكاني تدفق العمال المهرة وعائلاتهم إلى هذه المناطق الصحراوية يعزز بلا شك نمو المشاريع السكنية، وتطوير البنية التحتية والمرافق الأساسية، مثل المدارس، وقطاع الرعاية الصحية، ومراكز البيع بالتجزئة. فهذا التحول الحضري من شأنه أن يجعل من تلك المناطق التي كانت معزولة في السابق مجتمعات نابضة بالحياة، وهو ما يعزز صلاحيتها للعيش، وإمكاناتها الاقتصادية بشكل عام. كما تجذب هذه المصانع مزيدا من السكان بعيدا عن المدن المزدحمة، مما يسهم في تراجع الضغط والطلب على أسواق الإسكان في هذه المناطق الحضرية، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض تدريجي في قيم العقارات وأسعار الإيجارات بمرور الوقت. فمع تحول اهتمام الناس من المدن الحضرية إلى هذه المناطق الصحراوية القريبة من مراكز التصنيع الجديدة، يبدأ التراجع في الطلب على المساكن في المدن الحضرية القائمة. كما أن المعروض من الأراضي الجديدة، بفضل السياسات الاستراتيجية الأخيرة في المملكة التي رفعت الحظر عن تطوير أكثر من 81 كيلومترا مربعا من الأراضي شمالي الرياض، من المتوقع أن يجنبنا الوصول إلى فقاعة عقارية، حيث أن وجود عرض كافٍ من المنازل يمكن أن يخفف من ارتفاع الأسعار، ويسمح ببناء مجموعات متنوعة من المباني السكنية، بما في ذلك الوحدات السكنية ذات الأسعار المعقولة. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه سيتعين علينا النظر في المدى الزمني الذي قد تستغرقه الأسعار حتى تتغير وتستقر، بعد رفع هذا الحظر على الأراضي الواقعة شمالي الرياض. كما سنحتاج كذلك إلى تقسيم شمالي الرياض جغرافياً، على غرار دراسة أكاديمية أجريت بشأن العاصمة الصينية بكين، لنرى كيف تتقلب الأسعار في المناطق المختلفة وفقا لبعدها عن التطورات السكنية الجديدة بعض تطبيق السياسات الجديدة.
🏘️ إسكان المستقبل من المتوقع أن يكون هناك طلب متزايد على المساكن في المناطق المجاورة لهذه المصانع الجديدة، وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع قيمة العقارات. وتقع المناطق المحيطة بهذه المصانع بعيداً عن المدن الحضرية، وهي عبارة عن قطع أراضٍ غير مطورة، والتي لم تُستغل بعد لأغراض سكنية أو تجارية أو صناعية. وتمثل هذه الأراضي فرصة استثمارية كبيرة نظراً لانخفاض أسعارها مقارنةً بالأراضي المطورة، ولإمكانية تحقيق أرباح كبيرة منها في المستقبل. ويمكننا هنا أن نضع تحليلاً يستكشف التقديرات المتوقعة لقيم الأراضي السكنية في المناطق الواقعة حول مركز صناعة وتقنيات الإضاءة الجديد في المدينة الصناعية بشقراء، على بعد 180 كيلومترا تقريبا شمال غربي الرياض. وتقع هذه المنطقة في محافظة الجوف شمالي البلاد، وإذا ألقينا نظرة على الرسم البياني أدناه، سنجد تحولا كبيرا في أسعار العقارات في هذه المنطقة، من ــ 10.9% في الربع الأول من عام 2024، إلى 8.2% في الربع الأول من عام 2025، وهو الربع الذي شهد الإعلان عن هذا المركز الإقليمي الجديد لصناعة وتقنيات الإضاءة. في هذا الرسم البياني أعلاه، يمكننا أن نرى انخفاضا مستمراً في أسعار العقارات في منطقة الجوف في الفترة من عام 2019 حتى عام 2024 (وكان التغير في الأسعار يسجل بالسالب تقريبا خلال هذه الفترة). لكن المنطقة شهدت زيادة في الاستثمار في البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والمرافق والخدمات العامة، مما عزز جاذبية مدينة الجوف بشكل عام للاستثمارات السكنية والتجارية على حد سواء. وعلى سبيل المثال، في عام 2024، شكّل إطلاق الغرفة التجارية بالجوف لبرنامج إسهام 2024، نقطة تحول مهمة في اقتصاد المنطقة، وخاصة في القطاع العقاري. فقد أثارت هذه المبادرة، التي تهدف إلى تعزيز الاستثمار ودعم ريادة الأعمال في الجوف، اهتماما ملحوظا بين المستثمرين والمطورين بهذه المنطقة. ![]() وهناك مثال آخر في منطقة مكة المكرمة، إذ نلاحظ من الرسم البياني الآتي وجود فرصة كبيرة في أسعار العقارات في عام 2022، والتي بلغت ذروتها مقارنة بالسنوات السابقة، وذلك منذ إطلاق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية في عام 2019. وتزامن ذلك التحول في الأسعار في عام 2022 مع الإعلان عن وصول عدد المصانع في منطقة مكة المكرمة إلى 1795 مصنعاً. ومع ذلك، نلاحظ أن التغير في أسعار العقارات قد انخفض بشكل ملحوظ في عامي 2023 و2024، ويمكن أن يُعزى ذلك إلى زيادة العرض، حيث فاق التوسع السريع في المشاريع العقارية حجم الطلب على العقارات السكنية والتجارية. فعندما يستجيب المطورون لحدوث طفرة صناعية أولية من خلال زيادة المعروض بشكل كبير للغاية، فإن ذلك يؤدي إلى حدوث تشبع في السوق. وقد تكون هذه الزيادة في العرض قد أدت أيضا إلى انخفاض الأسعار مع تعديل البائعين لتوقعاتهم بسبب زيادة المنافسة. ومع ذلك، نلاحظ أيضا أن الأسعار بدأت في الارتفاع في الربع الأول من عام 2025، ربما بسبب التطور الصناعي الملحوظ في بعض القطاعات الاستراتيجية، وعلى رأسها قطاع التعدين، ومصنع السيارات الرئيسي لمجموعة هيونداي موتور في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في المشروع المشترك مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي. ومن المرجح أن يؤدي إنشاء مصنع هيونداي في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، خاصة بالنظر إلى حجمه وقدرته المتوقعة على إنتاج السيارات بداية من عام 2026، إلى إحداث نشاط اقتصادي كبير في هذه المنطقة. ويشمل ذلك توفير فرص عمل مباشرة، ليس فقط في هذا المصنع، ولكن أيضا في الصناعات المساندة التي تدعمه، مما قد يؤدي إلى زيادة مستويات التوظيف الإجمالية في المناطق المجاورة في منطقة مكة المكرمة.
🔍 التحول في تفضيلات السكن تساعد هذه المناطق الجديدة في إعادة تشكيل المشهد السكني في المملكة، وخاصة مع تحول المهنيين الشباب من السكان المحليين والوافدين، الذين ينضمون إلى تلك المصانع الجديدة، نحو تفضيل المساحات السكنية الأصغر حجماً. فبعد أن كانت الفيلات السكنية الكبيرة تهيمن على السوق بشكل تقليدي، بات السوق الآن يشهد ارتفاعاً في الطلب على الشقق المكونة من غرفتي نوم، وغرفة نوم واحدة، والشقق الصغيرة التي تعرف باسم استوديو، مما يعكس تغيرا في أنماط الحياة والظروف الاقتصادية. ارتفاع التكاليف المرتبطة بالفيلات السكنية الكبيرة، بما في ذلك ارتفاع أسعارها (حيث يبلغ متوسط السعر اليوم في العاصمة الرياض حوالي 2.8 مليون ريال سعودي للفيلا المكونة من أربع غرف نوم)، وارتفاع تكاليف المرافق والصيانة، يجعل مساحات المعيشة الأصغر حجما أكثر جاذبية حاليا، في ظل فترة تتسم بالحذر الاقتصادي. ومن المتوقع أن يزداد الطلب على الإيجارات مع إقامة المشاريع السكنية الجديدة بالقرب من هذه المناطق الصناعية، لا سيما بين السعوديين الشباب والمغتربين الذين يبحثون عن خيارات معيشية مرنة بسبب ارتفاع أسعار العقارات. ولنأخذ منطقة الرياض كمثال آخر. ففي الرسم البياني أدناه، نجد أن الصفقات الإيجارية ارتفعت من 100,000 في عام 2019 إلى 592,000 في عام 2023؛ أي بزيادة قدرها 492% ومن المرجح أن يكون هذا الاتجاه أكثر وضوحا بين المواطنين الأصغر سنا، والمغتربين الذين قد يفضلون المرونة والتكلفة المعقولة على الاستثمارات العقارية طويلة الأجل. كما أدت الزيادة الكبيرة في فرص العمل في السنوات الأخيرة إلى ارتفاع الكثافة السكانية في المناطق الحضرية، مما أدى بالتبعية إلى زيادة الطلب على الإيجارات.
⚙️
الديناميكيات المكانية الزمانية
في ختام هذا التحليل، نود أن نسلط الضوء على مفهوم رئيسي في الاقتصاد والتمويل العقاري، وهو مفهوم الديناميكيات المكانية الزمانية، والذي يتجلى بوضوح عندما تبنى مصانع جديدة في منطقة معينة، أو ترفع القيود المفروضة على تخصيص الأراضي وبناء العقارات في منطقة أخرى. وتشير هذه الديناميكيات المكانية الزمانية إلى التغيرات التي تطرأ على ظاهرة ما عبر كل من المكان والزمان. وفي سياق العقارات، يشمل هذا المفهوم كيفية تطور الأسواق العقارية جغرافياً، وكيف تتضح هذه التغيرات على مدى فترات زمنية مختلفة. وتم توضيح هذه الديناميكيات باستفاضة في دراسة أكاديمية مشتركة بين مجموعة من الجامعات الصينية والتايوانية، نُشرت في عام 2022. وفيما يلي، نقدم ملخصا للنتائج الرئيسية لهذه الدراسة:
🔦 الجوانب الرئيسية للديناميكيات المكانية الزمانية في العقارات: 1- تتوزع أسعار العقارات، والعرض والطلب، على مواقع جغرافية مختلفة. فعلى سبيل المثال، قد تشهد بعض المناطق داخل مدينة ما زيادات سريعة في الأسعار بسبب بعض القيود، أو التوسع الحضري، أو توافر المرافق والخدمات، بينما قد تشهد مناطق أخرى ركوداً أو انخفاضاً في الأسعار لبعدها عن المركز وعن الخدمات 2- تستجيب الأسواق العقارية للظروف المتغيرة بمرور الوقت وعلى نحو تدريجي سوءا بالانخفاض ام الارتفاع. فقد تتأثر هذه الظروف المتغيرة بالدورات الاقتصادية المختلفة، أو بتنفيذ بعض السياسات، أو التحولات الديموغرافية، أو العوامل الخارجية مثل الانكماش الاقتصادي، أو الازدهار. 3- لا يمكن فهم هذه الديناميكيات بمعزل عن غيرها. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي النمو السكاني إلى زيادة الطلب على المساكن في مدينة ما على مدى بضع سنوات، مما يؤدي إلى زيادة نشاط البناء. 4- السياسات الحكومية التي تخفف من القيود العقارية (كما بدأنا نشهد في شمال الرياض)، أو تلك التي تقدم حوافز مالية، مثل الإعفاءات الضريبية، أو الإعانات، أو شروط التمويل المناسبة لأنواع معينة من عمليات التطوير، تجذب المزيد من الاستثمارات وخاصة في مشاريع الإسكان الميسر بتكلفة معقولة في الرياض وجدة. |
|
|
|
|
|
Argaam.com حقوق النشر والتأليف © 2025، أرقام الاستثمارية , جميع الحقوق محفوظة |